ثقافة وفن

الدراما السوريّة أضاعت البوصلة والطّريق

لم تأتِ المنزلة المتفرّدة التي وصلت إليها الدراما السوريّة، يوماً، من فراغ، ولم تكن وليدة اللّحظة وأسيرة الصدفة، بل هي حصيلة جهد جماعي امتدّ لعقود طويلة، أسّس خلالها القائمون عليها لعالَم إبداعيّ دراميّ متميّز رسموا مساره الصحيح، ومنحوه هويّته وبصمته الخاصّة وكينونته المختلفة ورسّخوا القيمة الإبداعيّة والفكريّة له على مدار السّنين..
هذا العالَم الإبداعي السوري، بكل ما اكتنزه من خبرات وقدرات هائلة، بات يفقد تدريجيّاً الكثير من وهجه وتميزه خلال السنوات الأخيرة الماضية، ليصبح خارج السّباق الدرامي، وهو الذي لطالما كان الجدير بالصّدارة، الأمر لا يتوقف على قلّة الإنتاج الدرامي وتراجع عدد الأعمال المقدمة، فتلك مسألة يمكن تجاوزها أمام نوعيّة الأعمال وجودة محتواها، لكن المسألة أن الساحة الدرامية باتت تعاني، مؤخراً، من قلّة الأعمال، ومن ضعف المضمون وتراجع المستوى المعهود..
الأمر أن أغلب الأعمال السورية المعروضة مؤخراً، وخلال رمضان هذا العام، لا تعدو كونها تجارب، لا ترتقي، بأيّ حال من الأحوال، إلى الخبرات الدرامية المشهود لها، والضعف فيها لا يقتصر على النصوص الدرامية التي لم تعد تهتم بالمحتوى المختلف والمؤثّر، بقدر احتفائها بمتوالية من الأحداث المركبة الخاوية من المنطق والقيمة الفكرية، والقصور لا يقف عند الأداء التمثيلي الباهت غير المقنع، للفنانين الذين باتوا تحت رحمة شركات الإنتاج وما تقدمه لهم من نصوص، وأجر مادي، ولو كان ذلك على حساب المضمون، بل إنّ الأمر يمتد لضعف الرؤية الإخراجيّة وندرة المشاهد الاحترافيّة بكل تفاصيلها وأبعادها..
أيّاً كانت الظروف التي تسبّبت بتراجع الدراما إلى هذا المستوى، سواء أكانت الحرب أم الجائحة، إلا أنّ ذلك لا يبرّر لصنّاعها الرّكون للمسببات والظروف وصولاً إلى هذا التراجع الحاد، فالدراما السورية استطاعت، وحتى في أقسى ظروف الحرب، أن تستعيد قوتها وتحقّق حضورها وتحصد الجوائز وبجدارة، قد تكون الجائحة حالت دون الانتهاء من الكثير من الأعمال، وتسببت بضعف الكمّ، لكن ماذا عن ضعف النوع في الأعمال التي تعرض على الشاشات حالياً، لعلّ المشهد العام لا يخلو من أعمال جيدة على قدر من الاحترافية والقدرة التمثيلية والإخراجية، لكنها لا تتجاوز العمل أو العملين، وهذا رصيد لا يقارن بما أنجزته الدراما السورية سابقاً..
المسألة أن دور الدراما السورية لم يعد يقتصر على تقديم الفن وتجسيد الواقع فحسب، رغم أهميّة هذا الدور الجمالي والتطهيري في الوقت نفسه، كما أن الأمر لا يقف عند كونها قناة تربويّة مؤثّرة، بما تقدمه من تجارب وثقافة وفكر، بل هي أيضاً صناعة حقيقيّة لها دورها، استطاعت أن تثبت نفسها، وأن تكون محل منافسة قويّة، ومن غير المسموح لها الآن، وحتّى في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها، أن تعود للوراء، ما يفرض عليها أن تعيد حساباتها من جديد، متّكئةً على نصوص إبداعية حيّة ومتميزة، وخبرات ومواهب فنية متمكّنة، ورؤية إخراجية قادرة، هي مقوماتٌ وعناصر موجودة، ولا ينقصها إلا إتاحة الفرص والإمكانيات، بذلك تكون الدراما قد وجدت البوصلة من جديد، لتواصل مسيرتها في طريقها الذي لن تضيع فيه أبداً..

البعث ميديا || هديل فيزو