دولي

تمثال الحرية المزعومة

 بغض النظر عن تفاصيل ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية من احتجاجات ومظاهرات، وما يقابلها من قمع من قبل الإدارة الأمريكية، فإنه يظهر مدى ترسخ الفكر الاستبدادي والعنصري القائم في هذه الدولة الكبرى، صاحبة صرح تمثال الحرية الدؤوبة على تصدير أفكار الحرية للآخرين، إلا أنها باتت مكشوفة تماما، فهذه العنصرية لم تكن بجديدة عبر التاريخ، والشخصيات الرئاسية التي توالت على سدة الرئاسة لم تكن إلا دمى مصنوعة ومصممة على القياس تتم برمجتها، وهي ليست حصيلة اختيارات الشعب الأمريكي وكان آخرها دونالد ترامب.

تاريخ دموي

لم تقبل الإدارة الأمريكية إلا أن تكون الدولة العظمى دائماً، بعد أن ضحت بالكثير من الشعوب وأطاحت بحرياتهم، غير آبهة بصراخ الأمهات ووجع الأطفال، حتى لو اضطرت أن تضحي بالشعب الأمريكي نفسه، فبنت جبروتها على الحروب والقتل والدم ومصادرة حقوق الإنسان، لتستمر في حلمها لبناء النظام العالمي الجديد المعادي للقيم الإنسانية والغير أخلاقية، فراهنت على تقسيم شعوب لضرب نفسها دون التورط الأمريكي المباشر.

وكل الرؤساء الأمريكيين كانوا متورطين في هذه الشبكة، ولكنها لم تظهر بهذه الجرأة التي أظهرها ترامب باعترافاته وخطاباته الموجهة عبر المنابر، ربما استدعت الحالة أن يختاروا شخصية ساخرة مجنونة، تمرر ما يحلو لها من أفكار بهمجية دون الاكتراث بالعواقب، وليكمل ترامب هذا النظام العالمي الجديد، وتعم الفوضى وينتشر الإرهاب في كل مكان معتمدين على العرب وأراضيهم وممتلكاتهم لتحقيق أهدافهم.

الشركات التكنولوجية أداة للسيطرة

انتشرت الشركات التكنولوجية الأمريكية لتتابع في سيطرتها على العالم، واحتفظت بملايين البيانات ببرامجها حتى تحتكر أكبر عدد من المستخدمين، مما أثار صخب الاتحاد الأوروبي، بسبب جمود شركاتها أمام الشركات الأميركية وعندما شعر ترامب أن الصين بدأت تسرق الأضواء سارع إلى إطلاق التهديد والوعيد بفرض العقوبات الأمريكية، لكن الصين أسقطت فعالية تلك العقوبات، وجعلت السحر يرتد على الساحر، فتراجعت أسهم الشركات الأمريكية أمامه بحكم أنهم بحاجة دائمة إلى المنتجات الصينية التكنولوجية، مما وتر العلاقات بين ترامب وتلك الشركات بتصرفاته الغير مسؤولة.

ترامب يغرد خارج تويتر

احتل ترامب المغرد المرتبة الأولى في تويتر، فمنذ توليه الرئاسة اعتمد أسلوب التغريد التويتري لنشر أفكاره وتعميم قراراته، لتصل تغريداته لأكثر من 11 ألف تغريده منذ  20 يناير 2017، حتى أن مساعديه كانوا يقلقون من أن يكتب تغريده في غيابهم.

وقد تناولت تغريداته قضايا كثيرة، في كل مرة كان يفجر بها عبارة تقلب كل الموازين والاعتبارات الدولية، متخذاً شخصية المجنون الجريء، وعندما قررت شركة “تويتر” وسم تغريدتين للرئيس الأميركي على أنّهما تحتاجان إلى التدقيق، في ما يُعدّ أول تطبيق لقرار اتخذته شركة “تويتر” منذ أقلّ من سنة، فغضب ترامب وتوعد بنشر قرار رئاسي لتنظيم عمل هذه الشركات. وبالفعل، نُشر هذا القرار على موقع البيت الأبيض.

لم تمارس الإدارة الأمريكية جبروتها على العالم فقط، بل تمادت على شعبها أيضا، وهدفها الأول والأخير السيطرة ليس إلا، وربما هذه المشاهد التي نراها أدوات للوصول إلى غايتها، فالآن تحاول سحب الحصانة القانونية من وسائل التواصل الاجتماعي، وغداً تسيطر بشكل كلي على هذه الشركات التكنولوجية كما سيطروا على فيسبوك، مع العلم أن غالبية الشركات التكنولوجية العالمية أمريكية، من محرك البحث غوغل، وياهو ،وفيسبوك وصولاً لتويتر، وهذا دليل كافي على استعمار غير مباشر للعقول، وأي رأي يضرب بمصالح بلد الحرية سيتم سحقه وإعادة توظيفه بما يخدم مصالحها.

ترامب ضد الرأي الآخر

ولعل ما نشهده الآن على الساحة من استباحة للحريات وقمع لحرية التعبير، والتي بدأها ترامب بمعاداته لحرية الصحافة، ثم لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، من شأنه تصنيف الولايات المتحدة كأكبر المهددين لحرية التعبير، كذلك منعه الصحفيين من دخول البيت الأبيض، وتصنيفه للقنوات التلفزيونية التي لم تتفق معه بأنها إعلام كاذب، و كانت آخر ممارساته ما حصل مع تويتر.

الشعب الأمريكي ضاق ذرعاً

الشعب الأمريكي ضاق ذرعاً من تصرفات ترامب، وكل الحروب التي شنتها أمريكا على العراق وأفغانستان وسورية وليبيا وغيرها ضد إرادة غالبية الشعب، وما إن بدأ الشعب بالاحتجاج، سارع ترامب بإطلاق قراراته بقمعها، قائلاً “يجب على حكام الولايات ورؤساء البلديات الليبراليين أن يكونوا أكثر صرامة وإلا ستتدخل الحكومة الاتحادية وتفعل ما يجب القيام به وهذا يشمل استخدام القوة غير المحدودة لجيشنا والعديد من الاعتقالات”، على عكس ما كان يتشدق وينظر على دول أهلكها الإرهاب مرسلاً لها طيارات وأسلحة محملة بالديمقراطية المزعومة، ورغم قمعه الجائر حاول أن يستفيد من هذه النقطة لصالحه، وألقى اللوم على اليساريين والراديكاليين، موظفاً ضرب الشعب لمصالحه وتزييف الحقيقة للنجاح في الانتخابات.

حماقة ترامب تودي بمكانة أمريكا، ويبدو أن من يدعم ترامب لم يدرك أنه سيكون سبباً في تدمير القوة العظمى لأميركا، ويبدو أن السبل بدأت تضيق بترامب أكثر فأكثر، و ربما قريباً سيودع البيت الأبيض، جاراً وراءه ذيول الهزيمة.

البعث ميديا || ريم حسن