سلايدمجتمع

في مواجهة ثقافة الحياة عن بعد.. تحويل المحن إلى منح

في قدرة حقيقية على تطويع الأزمات والخروج منها باستحقاق مختلف، وأمام تحدّ نوعي للواقع الصعب الذي فرضته الجائحة، وعلى كافة الصعد، تمكّن العالم الرقمي من كسب الرهان، ليس على الصعيد المجتمعي والتواصلي فحسب، بل حتى التعليمي والإعلامي والثقافي والتوعوي، حيث تحمّل العبء الأكبر الملقى عليه بجدارة ومرونة في الوقت ذاته، واستطاع أن يثبت أنه السبيل الأمثل لتجاوز الصعوبات التي فرضتها ثقافة الحياة عن بعد، الأمر الملفت هنا لا يقتصر على أهمية الدور الذي تحمّلته هذه المواقع خلال هذا الواقع المأزوم وتكريس أدواتها للمساهمة في محاولة إنقاذ الجيل وبناء معارفه فحسب، بل القدرة الفائقة لهذا الجيل على التكيف مع الوسائل التقنية والواقع التعليمي والمعرفي المتاح، ما يمهد الدرب، ولو جزئياً، لخلق فرصة حقيقية لتكريس مبدأ اكتساب المعارف بمداها الواسع دون حدود الزمان والمكان والأطر المختلفة التي قد تحد من القدرة على التعلم والإنجاز.

 من التّلقين إلى الاعتماد على الذات

قد تكون التحديات الجديدة التي أفضت إليها محنة التعطل الطارئ للتعليم، أكبر دليل على ذلك، حيث بات التعلّم عن بعد أمراً لا بدّ منه، ليصبح متاحاً للجميع من خلال مواقع وقنوات خاصة به، ورغم أهمية التعليم المباشر، وما يحمله من قدرة تواصليّة وتفاعليّة أبلغ أثراً، وما يتّسم به من قدرة فائقة على تنظيم الوقت والجهد، إلا أن الواقع الجديد أيضاً منح الطلاب فرصة حقيقية لتحفيز رغبتهم الذاتية للنجاح واستنهاض قدراتهم بأنفسهم، ما رفع مستوى المسؤولية الذاتية لديهم في البحث عن علمهم ومعارفهم وبناء نجاحهم بأنفسهم، بعيداً عن التلقي والتلقين، إضافة لأهمية توظيف هذا النوع من التعليم، تمهيداً للتحول إليه مستقبلاً، فما نحن فيه الآن يشكل وقفة لا بد منها لتبني بعض الرؤى التي تطرح التحوّل الضمني والتدريجي إلى العالم الرقمي وبرامج التدريب الذاتية الخاصة بالمدارس ومؤسسات التعليم العالي، تحسّباً لأي طارئ جديد قد يعطل العملية التعليمية.

كسر جدار العزلة الثقافية

وفي الوقت الذي استحالت فيه الحياة عالماً من الجدران المغلقة والمنعزلة، أعلنت بعض المواقع الثقافية والفكرية كسر جدار العزلة الذي فرضته الجائحة وتمردت على الحدود التي فرضتها الجغرافيا، فكانت رسالتها النهوض بالإنسان أينما كان، لتطور من رؤاها وأساليبها في نشر المعرفة من خلال عقد محاضرات أو ندوات فكرية وثقافية واجتماعية، بحضور متخصصين وأساتذة أكاديميين عرب، من أجل بناء جيل عربي مثقف يسمع ويشاهد ويتأثر ويفكر ويتفاعل ويتّحد ولو معرفياً، في مشهد عجزت عنه الساحات العربية، إضافة لتفعيل الكثير من النشاطات الثقافية التي كانت سبباً لإنشاء مزيد من الصفحات بمحتويات معرفية، إذاً التجربة قد حدت بنا للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بوصفها إمكانيةً متاحة لتأسيس المشاريع وإطلاق المبادرات، لتصبح المعلومة حرة أكثر، ولتكون النقاشات الفكرية والمعرفية امتيازاً عاماً وليس نخبوياً.

اكتساب المعارف عن بعد.. في سورية

منذ بداية الجائحة عملت سورية على تطبيق خطة تعويض الفاقد التعليمي والثقافي، وتأسيس عدة نظم داعمة للتعلم عن بعد، سواء عن طريق التعلم الذاتي، أوعن طريق منصات تربويّة، وعلى الرغم من قلة القنوات والمنصات التي تم تفعيلها  خلال الأزمة، إلا أنها كانت قادرة على إيصال المعلومة ومناقشتها مع المتلقي أينما كان، كالتربويّة السوريّة، التي كان لها دورها الهام في التعلم خلال الجائحة.

وكان للفعاليات الثقافية والفنية حضورها خلال فترة التباعد أيضاً، من خلال خطة وزارة الثقافة التي عملت على تزويد المتلقي بكل منتجات الأدب والفن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فعملت على إعادة تقديم المهرجانات التي نظمتها في جميع المحافظات وأفلام المؤسسة العامة للسينما وعروض مديرية المسارح والموسيقى وحفلات دار الأسد للثقافة والفنون من خلال وسائل التواصل، ويحسب لها إقامة  معرض فن تشكيلي افتراضي لأهم اللوحات المقتناة لمجموعة من كبار الفنانين الراحلين والمعاصرين، كما أتاحت تحميل الكتب الإلكترونية الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وقدمت عرضاً مباشراً لمجموعة من الأمسيات الشعرية والقصصية، فضلاً عن إتاحة الفرصة للأطفال لمشاركة مواهبهم بإرسال لوحات وقصائد وعروض مسرحية عبر مديرية ثقافة الطفل.

الاختيار

أمام اتساع العالم الرقمي وتعدد أساليبه ووسائله ورؤاه وكثرة المواقع التي قد نكتسب منها معارفنا، تتسع الدائرة من حولنا لنشعر في بعض الأحيان، بالتشتت والضياع، هنا تتبدى الحاجة الملحة للانتقاء والتنظيم واختيار متطلبات كل مرحلة وترتيبها وفقا للأهم، فجميل أن تكون كل أسباب المعرفة والبناء بين أيدينا، لكن الأجمل يتبدى بحسن التنظيم والاختيار.

هديل فيزو