الشريط الاخباريمجتمع

هبول التين.. تراث وذكريات ومصدر للرزق

 

تُجهز أم جهاد أعواد “الحيصد” مع بداية موسم التين، تمهيدا لصنع ما تشتهر به قريتها، حيالين، بريف مصياف، والقرى المجاورة لها بالمنطقة، من “هبول” فلا يمكن أن يدخل فصل الشتاء بدونه..

يبدأ القطاف وتملأ “القراطل، وهي سلال تصنع يدوياً لجمع الخضار والفواكه، وتنشر ثمار التين على أسطح المنازل لتجفيفها، وهذه العملية تستمر لحين انتهاء الموسم، بحسب أم جهاد، وبعدها تُجمع الكمية من “قشور التين” ثم توضع بالغربال فوق وعاء معدني على النار، ويتم تقطيعها وتشكيلها بأحجام مختلفة وتترك لتبرد..

تقول الجدة السبعينية إن هذا الطقس المتوارث يشارك فيه جميع أفراد العائلة، من كبيرها لصغيرها، فكلٌ له مهامه الخاصة للمساعدة في صنع الهبول، وهذا ما يؤكد عليه أحد أحفادها، فيوم “التهبيل” وما يسبقه من عمليات القطاف يكون مميزاً بالنسبة لهم، وتقول رند، إنها تساعد جدتها، مع بقية الأولاد، بوضع ما يتشكل فيما يسمى بالـ”فريفورة”، فضلاً عن أن الأسرة تكون مجتمعة كلها، أو بعضٌ منها، في ذلك اليوم..

تتذكر أميمه، سيدة أربعينية، كيف كان العنبر في بيت أهلها مليئاً بهبول التين، ولا تنسى كيف كان منظرها عند إخراجها، إذ تكون ملتصقة ببعضها وكأنها قطعٌ من العسل، وفي أيام البرد تعد أفضل ما يمكن تناوله مع كأس لبن أو طحينية، فهي تغني عن أي شيء أخر..

قديماً كان هبول التين يعد زوادة الفلاح عند ذهابه إلى أرضه، فهو يعتبر وجبة متكاملة لما يحتويه من فوائد وقيم غذائية، تكفي لمد المزارعين بالطاقة اللازمة لمتابعة العمل، واليوم تحول إلى وجبة صباحية قبل الذهاب إلى العمل، وكتحلية للضيافة..

وفي السنوات الأخيرة، صار الهبول من السلع المرغوبة بشدة وعليه إقبال شديد، لذا تحول إلى مصدر رزق للعديد من العائلات، وصار أصحابه يتفننون بصنعه ويضيفون عليه المكسرات وجوز الهند لتكون الخيارات متنوعة أمام من يرغب بالشراء، هذا بالإضافة إلى أن قشور التين المجففة يمكن أن تباع لوحدها، وفقا لـ يامن، أحد شباب القرية..

ويبين يامن أن هناك صنفا أخر يمكن عمله من التين، ويعرف بـ”الطبع” وهو يصنع بالطريقة ذاتها مع فارق أن طاب التين يكون كاملا، ولفت إلى أن أسعار هذه الأصناف تتفاوت من مكان إلى أخر، نظراً للإقبال الشديد عليها، حيث يباع كيلو الهبول اليوم بحدود 6 أو 7 آلاف ليرة، بحسب الإضافات والنوعية والجودة..

وعلى الرغم من غنى تلك المناطق بأشجار التين، إلا أنها تعاني في بعض السنوات من نوع من الحشرات، ما يؤثر على كمية الإنتاج، وفي هذا السياق لفت أبو علي، من مزارعي القرية، أنه لا يمكن قطف الثمار المصابة ولا استخدامها بصنع أي شيء، مضيفا بأن هذه الآفة طالما وجدت على غصن أو شجرة واحدة فإنها تمتد إلى الأشجار المجاورة، وتنتقل إلى الأراضي الأخرى..

ويوضح أبو علي أنه في كل عام، وقبل موسم التين، يقوم بتنظيف أشجاره ورشها بالمبيدات لتجنب حدوث ذلك، لكن ما يقوم به لا ينفع إذا لم يشارك الجميع به، والمشكلة أن تلك الآفة تنتشر في أغلب القرى ولا يوجد حل لها، ومع ذلك، وبقليل من الاهتمام والرعاية فإنه يحافظ على ممتلكاته وعلى هذه المادة التي تعتبر ثروة غذائية، ومصدراً للرزق لكل من يمتلكها..

 

رغد خضور