ثقافة وفن

هل حقاً انطفأ الإبداع العربي.. أم إن المرايا هي التي تكسّرت؟

كلما سألت نجماً سينمائياً عن ندرة أعماله أو تراجعها أحالك إلى مؤلف غائب أو منتج تاجر، أو مخرج عابر.. وكلما سألت مخرجاً أو منتجاً أو موزّعاً بعثَرَ الاتهامات شمالاً وجنوباً وأعلى وأدنى، وإذا أردت أن تبحث أزمة المسرح العربي فسوف تصادف الأهوال، وسيبدأ الاتهام بالجمهور وينتهي بالدولة.

أما إذا جمعت دائرة البحث مع مؤلف تعدّه مرموقاً، أو مجتهداً أو مبشراً، لتبدأ باتهامه بالتكاسل الفكري، لأن إنتاجه قد توقّف منذ سنوات، فسوف يعالج ظنونك بلكمة حادّة، لأن لديه مسودات أكثر من كتاب تغفو على مكتبه، وسوف يقسم لك بضاعة النشر في الوطن العربي إلى عالمين: عالم من التكسب الرخيص والسريع، يبحث كالمسرح والسينما والغناء عن جمهور الشباك أو جمهور الرصيف، بعد أن أصبح للكتّاب شباك، كما غيره من الفنون، أما العالم الآخر في بضاعة النشر فهو عالم الوساطة والنفوذ، وبمقدور أذنيك أن تلتقطا أصواتاً جميلة لمطربين شباب لا يجدون ميكروفوناً أو شعراء لا يجدون زاوية في مركبة الإعلام، ورغم ذلك يقول البعض إن الإبداع العربي قد جفت منابعه، وإن عصر الكتّاب العمالقة قد انتهى، كما انتهى عصر الطرب الجميل وعصر الموسيقا الأصيلة، وعصر الإبداع الجليل الذي ينعش الروح والقلب. فهل حقيقة انطفأ الإبداع العربي أم إن المرايا هي التي تكسّرت فلم تعد قادرة على أن تعكسه نبضاً وضوءاً وحياة؟.

لماذا صارت كلمة الأزمة لصيقة بكل مجال فني، أو ثقافي، أو فكري؟

لست من أنصار أولئك الذين يرجعون أسباب الأزمة إلى المثقف العربي أو إلى الإبداع، فالإبداع العربي لم يجف، وموجة الأصوات الجديدة الصاعدة أو الهابطة في كل مجالات الفن والثقافة والمعرفة ليست خائرة ولا ضعيفة، ولكنها للأسف تتمزق على الصخور وتحترق تحت شمس المصالح وسوء الرعاية، والأمة العربية المجيدة تنجب كل يوم مبدعين جدداً، وتلد كل يوم مواهب جديدة وهائلة، ولكن الطريق أصبح أصعب والفرص أقل والمصالح الذاتية تسد سلالم الصعود، ويد الحكمة بعيدة عن ميزان العمل، ومع ذلك لسنا من المتشائمين الذين ينسجون أستاراً رمادية ويخلعونها على الثقافة والفنون في دنيا العرب، فالأمة العربية أمة علّمت الدنيا وستظلّ تعلّمها، وأبدعت وتهجّن غيرها، ونطقت وردد سواها، فالأمة العربية غنية، نحن الذين علّمنا العالم أبجدية الحرف والقانون من سومر وبابل وأور وأكد وآشور وماري وأوغاريت والحضر والمناذرة.

اتركوا ملايين المواهب المبدعة الشابة لتتفتح، وتتفتح معها الآفاق الجديدة المبهجة.

 

د.رحيم هادي الشمخي