ثقافة وفن

د. أحمد: تخصيص مقررات دراسية لشرح الآثار السورية

أضاءت محاضرة الدكتور علي صقر أحمد في الورشة الاعلامية الأولى التي أقيمت مؤخرا في حمص جانبا مهما من الابداع الحضاري السوري كما تجلى في الآثار الفريدة والنصوص القديمة العظيمة، ونظرا للأهمية الوطنية التي تحملها معرفة هذا الابداع، حملنا له بعض الأسئلة ذات الصلة، فكان هذا الحوار :

س: ما ذكرته عن شجرة الزيتون في محاضرتك بدا مفاجئا لغالبية الحضور رغم أنه ليس جديدا،  فهل يعود ذلك إلى جهل بتاريخنا أم ماذا ؟

ج : فيما يتعلق بالزراعة فإن شرقنا ومنذ الألف الثامنة قبل الميلاد كان الرحم لولادة الزراعة،و من ثم كان هذا المخاض مقدمة لولادة الاستقرار، و من ثم المدنية و التحضر، و قد أوحت الزراعة لمبدع الشرق بالروحانيات ومن ثم التعبد و تقديس المظاهر الطبيعية، و كان لشجرة الزيتون التي أطلق عليها في الآرامية ( م ش ح ا ) ثم أطلقت التسمية على الزيت الذي استخدم لتطهير و مباركة المولودين، و منه أطلق على المسيح الذي مسح بالزيت، و كان لهذه الشجرة قدسية خاصة في مدينة تدمر حيث جعلها  السوري التدمري من المعبودات وأطلق على رمزها الديني عبارة ( ج د   م ش ح ي ا) أي الإله الحامي للزيتون.

س: كيف يمكن استثمار مثل هذه المعلومات في استنهاض مشاعر العزة والفخر لدى السوريين خاصة وأنهم يملكون تاريخا لا يكاد يضاهى في ثرائه ؟

ج: إنه لمن المحزن أن يكون السوري محروماً من ذاكرة مليئة بالعظمة و الإبداع، و هو بذلك يظلم نفسه ووطنه عندما لا يعلم أن بلاده هي الولادة لكل عظيم في هذا العالم، لذلك فإن التركيز على تحصين أجيالنا بمعرفة أصالة و عراقة الحضارة في وطنهم هو من أقدس الواجبات الوطنية  والأخلاقية.

س: هل يمكن أن تعطينا لمحة موجزة عن اللغات القديمة التي عرفتها سورية ؟

ج: إن الشرق هو الشاهد على ولادة الحرف والكلمة والصوت، إذ كانت المحاولة الأولى للكتابة التصويرية في أوروك (الوركاء اليوم) (3200 ق . م) في جنوب العراق و في مناطق من الفرات الأوسط في سورية ، حيث عثر على أقدم الألواح التي تؤكد ولادة فكرة الكتابة الأولى، و كان السومريون هم أصحابها، ثم تطورت الفكرة عند الأكديين (2350 ق . م) ليتحول الرسم الى الشكل الكتابي ثم الصوتي و تولد الكلمات و الجمل التي ستكون النواة لتخليد الفكر و الابداع الإنساني، و تنتهي هذه المرحلة لتبدأ قصة ولادة الأبجدية المسمارية على يد كنعانيي الساحل السوري و في أوغاريت تحديداً ثم الأبجدية الفينيقية التي كانت الشرارة لولادة الأبجدية الحرفية التي انتقلت إلى اليونان ثم إلى أوروبا، ويجب أن يعرف السوريون اليوم أن الخط الإنكليزي هو من إبداع فينيقي سوري.

س: يبدو أن دور الرجعية العربية في الحرب الارهابية على سورية قد دفع البعض إلى تحميل العروبة وزر ذلك .. أليس القول مثلا بأن القرآن الكريم كتاب سرياني نوعا من هذا الانحراف الايديولوجي الذي يستهدف العروبة لغة وثقافة وحضارة ؟

ج: إن الحديث عن الرجعية العربية هو معضلة حقيقية يجب الإضاءة عليها و توصيفها بشكل أكاديمي تاريخي .

إن هؤلاء الرجعيين هم عالة فكرية ووجودية على مسألة العروبة بوصفها مصطلحاً ثقافياً و حضاريا يشع في أذهان الشرفاء من المتنورين الوطنيين أصحاب الكرامة.

ولقد دأبت الرجعيات العربية على إفراغ المصطلحات التي تليق بأمتنا الحضارية من مضمونها، و هي المهمة الأساسية التي وجدت من أجلها، و هم أشبه بكاتب التلمود الذي أطلق صيحة خبيثة منذ الآلاف من السنين ( يا لسعادة من يرى خراب تدمر)، و قد أقسم هؤلاء بأن يحققوا حلم صاحب الأمنية بأن يأتي اليوم الذي يرى فيه أمة تائهة مريضة يسهل ابتلاعها، و ما حصل في بلدنا هو خير دليل على هذا الدور الخبيث والمدمر الذي استهدف قلب العروبة وقلعتها المتصدية للمشروع الامريكي الصهيوني بمختلف تجلياته و أدواته الارهابية والانفصالية وغيرها.

أما بالنسبة للهجة السريانية فهي إحدى اللهجات الآرامية السورية المتأخرة، و نحن نعلم بأن الألف الأول  قبل الميلاد في الشرق كانت اللغة الآرامية هي اللغة الأكثر انشاراً ثم انقسمت إلى لهجات كانت السريانية إحداها  وكذلك النبطية و التدمرية و غيرها . ثم ارتبطت اللهجة الآرامية السورية بالمسيحية ووصلت إلى كل البلاد التي تنصَّر أهلها، و المعروف أن  الخط السرياني و النبطي  كان المرحلة التي سبقت رسم الخط العربي مع التشابه الكبير اللغوي و الصوتي بين مجمل هذه اللهجات الشرقية التي تنتمي إلى أم لغوية واحدة .

لذلك فإن البحث في مسألة القرآن و الألفاظ السريانية و العربية و غيرها هو أمر مجهد و لا يحقق نتيجة و لا فائدة .

س: هل من رسالة ترغب في توجيهها حول هذا الإرث العظيم

ج: أريد أن أشير إلى أن الحديث في عراقة الوطن و عظمة إرثه الإنساني هو واجب أخلاقي يجب أن يدعم بالفعل ، يجب أن نخصص في مناهجنا الدراسية المتنوعة مقررات خاصة لشرح الآثار السورية و النصوص الإبداعية ( الأوجاريتية – الفينيقية – الآرامية ……..) كي نفسح المجال لولادة جيل قبل أن يحب وطنه يجب أن يعرف عظمته.

وكذلك أريد أن ألفت الانتباه إلى وجوب اعتبار مسلة (أسد اللات) التدمرية و التي نحت عليها مشهد الغزال الذي ينام بين أقدام اللبوة بأمان ، هي (علم السلام العالمي)، و هي تجسد فكرة الرحمة و الأمان و السلام ، فقد دون على التمثال بالخط و اللغة الآرامية عبارة :

” ت ب ر ك   ا ل ت   ك ل  ل  ي ش د   د م    ع ل   ح ج ب ا ” و معناها في اللغة العربية ”  فلتبارك اللات كل من لا يسفك الدماء على أرض المعبد”

و أنا أقولها في الآرامية السورية : ” ي ب ر ك    ا ل   ك ل   د ي   ل  ي ش د    د م  ع ل   ا ر ق ا  د ي  ش ي ر ي ا   ”

” فليبارك الله كل من لا يسفك الدماء على أرض سورية” ……

حوار ندى الحوراني