سلايدمجتمع

بين “تأديب” الطفل و”تعنيفه”.. ممارسات تربوية خاطئة وآثار خطيرة ممتدة

الباحثة ندى: الأطفال المعنّفون سيربّون أبناءهم على العنف كما تربّوا

 

“أمل” الطفلة، ليست طفلة عادية، هي مزيج من القلق والاضطراب والقسوة، لم تكن حياتها بسيطة وملونة مثل صديقاتها، بل كانت ضحية عنف مارسه والدها عليها يوماً، ظناً منه أنها الوسيلة “المثلى” للتربية، لكنه لم يدرك أنّه إنّما كان يسوّر حياتها بالخوف ويعبّد طرقاتها بالمشقات..

“أمل” اليوم كبرت وأصبح لديها أطفال تخاف عليهم من مخاوفها، بات هاجسها الأكبر أن تحمي أطفالها من عنف تعرضت له يوماً، تحميهم حتى من نفسها، مدركة أنها إلى الآن مازالت رهينة طفولة معنفة حاولت وتحاول الهروب منها، لكنها، ورغماً عنها، تتجسد في سلوكها وأسلوب تعاملها مع أطفالها..

أكثر من مليار طفل حول العالم يتعرضون للعنف بشتى أشكاله، والعنف هنا لا يقتصر على العنف الجسدي وما يتركه من آثار جسدية ونفسية مدمرة، بل يشمل أيضاً ذلك العنف المستتر، والإساءة الخفية، أو ما يسمى العنف النفسي أو اللفظي، الذي قد يندرج ضمن أسلوب تربية الأهل وتعامل المجتمع الذي يتّبع التأديب العنيف للطفل وفق قناعات خاطئة متعلقة بأساليب تربية مؤذية لابدّ أن تترك  أثرها على شخصية الطفل، على المدى القريب والبعيد، وتخلق اضطراباً خطيراً في شخصيته، قد يلازمه مدى الحياة..

 

التّصدّي للعنف يبدأ بفهم أسبابه

لعلّ تكاتف الجهود الأسرية والمجتمعية قد تحدّ من  العنف أيّاً كان نوعه، وتشكل السور الذي سيتصدى لهذه الظاهرة، والبداية التي يجب الانطلاق في محاربة العنف تتمثل بفهم أسبابه، ووفقاً للباحثة الاجتماعية ندى بعبع، فإن هذه الأسباب تبدأ من الخلية الأولى في المجتمع، فالعُزلة الاجتماعية التي تعيشها الأُسرة وضعف الروابط العائلية بين أفرادها وغياب التنظيم وطُغيان الفوضى على الحياة اليومية، قد يمهّد للعنف، فقد ينعكس ذلك على الطفل من خلال الصراخ عليه، أو القسوة عليه وتجريحه بالكلام، وأحياناً الاستهتار بمشاعره والسخرية منه وصولا للتنمر من شكله أو تصرفاته أو حتى طريقة كلامه، كما أن طبيعة العلاقة بين الأبوين، واعتداء أحدهما على الآخر، وقلة معرفتهما بطريقة تربية الأطفال وعدم التعامل الصحيح معهم، كل ذلك يؤدي إلى تدهور العلاقة بين الطفل وأفراد عائلته، إضافة للأسباب النفسية، حيث تُؤدي المشاكل والضغوطات التي يمرّ بها أحد أفراد العائلة إلى العنف ضد الطفل، كما أن هناك أسباباً تنبُع من المُجتمع نفسه كانتشار العنف في المُجتمع، وقبول نهج العُنف والقوة بين أفراده، وانتشار القناعة في المجتمع بملكيَّة الوالدين لطفلهما ومعاملته وفقاً لذلك، إضافة للدوافع الاقتصادية التي تؤدي إلى العنف ضد الأطفال كالفقر والبطالة والسَكن غير المُلائم.

 

النّتائج خطيرة.. “سيربّون كما تربّوا”

إن السنوات الأولى في عمر الطفل هي المرحلة المؤسسة لحياة كاملة فيما بعد، وبقدر ما ينعم الطفل خلال هذه السنوات بالأمان والطمأنينة والحب، فإنه سيكون فرداً متوازناً قادراً على العطاء، يقوم بدوره الحقيقي والفاعل تجاه نفسه وعائلته ومجتمعه، وفي السياق نفسه، إن أي عنف سيتعرض له الطفل، ف ستكون له نتائجه السلبية التي لن تقتصر عليه فقط بل على المحيطين به وعلى المجتمع بالعموم،

وبحسب الباحثة الاجتماعية، إن هذه النتائج ستظهر على المدى القريب على شكل مشكلات سلوكية واضحة، كالعدوانية والانطواء والعنف، وعدم تقبل الآخرين، أما على المدى البعيد فستظهر لديهم أمراض نفسية مثل القلق والاكتئاب، والخطورة هنا تتمثل في أن هؤلاء الأطفال عندما سيكبرون ويصبحون آباء، سيتبعون طريقة التربية نفسها، غالباً سوف يقومون بتربية أبنائهم على العنف كما تربّوا هم، ولذلك الأمر نتائجه الخطيرة على الفرد والمجتمع..

 

أسس حماية الطفل من العنف

بتنا في عالم مفتوح، وكل ما فيه يساهم بشكل أو بآخر في تربية الأطفال، الأهل، المدرسة، المجتمع، التلفاز والإنترنت، وحتى برامج الأطفال، ما يُصعّب المهمة على الأهل في حماية أطفالهم من مظاهر العنف التي قد يتعرضون لها سواء من المجتمع، أو حتى عبر مشاهداتهم اليومية، والتي تؤثر بشكل أو بآخر عليهم، لكن الانطلاق من التربية الصحيحة في البيت هو الأساس الذي يمكن البناء عليه..

الأخصائية الاجتماعية ندى، أكدت أنه يمكننا حماية الطفل من العنف، عبر التربية السليمة من والاعتدال في تأمين احتياجات الطفل المادية والعاطفية، فلا الكثرة تفيد ولا الحرمان يفيد، إضافة لمراقبة وسائل الإعلام والتواصل وما يشاهده الأولاد، وعدم تعنيف الزوجين لبعضهما أمام الأولاد، واعتماد النقاش بأسلوب راقي أمام الأطفال، واستخدام وسائل عاطفية متعددة للتعامل مع الطفل وتدريبه على أساليب الحوار الفعال، إضافة إلى اللعب وتفريغ الطاقة والخروج من المنزل وإثبات الذات بالطرق السليمة والإنجازات.

 

“الطفل العنيف”.. وأساليب التعامل معه

العنف هو النتيجة الحتمية للعنف، فالطفل العنيف غالباً، هو وليد العنف الذي شاهده وعايشه وتعرض له.

ويتحول الطفل إلى العنف، وفقاً للباحثة ندى، عندما نتعامل معه بقسوة وحرمان مادي وعاطفي ونحجز حريته ونقمع اختياراته، كما أن الدلال المفرط وعدم تحمل الإحباط، ما يعرض الطفل لاستخدام العنف عند أدنى إحباط يتعرض له للحصول على ما يريد، إضافة لمشاعر النقص فيعمد إلى إثبات قوته عبر العنف والعدوان، إضافة إلى عدم القدرة على التعبير عن الانزعاج بالكلام العادي يجعله يلجأ إلى وسائل العنف المتعددة، كما أن تشجيع الأهل على العدوان وتربيتهم على أساس أن القوة بالعنف والتسلط تعرض الطفل للعدوان والعنف، ولا ننسى التأثير الذي تتركه مشاهداته للعنف في بيته بين الزوجين، ولهذا الأمر آثاره الخطيرة على الطفل والمجتمع..

أما كيف نتعامل مع حالات العنف عند الأطفال، فوفقاً للباحثة، علينا معرفة الأسباب والتعامل معها، إضافة لتجاهل الطفل عند تصرفه بعنف وعدم الالتفات لمطالبه أثناء ذلك، إلا بعد انتهاء العنف والغضب وإجراء حوار جيد حول ذلك، ثم حول مطالبه، والتدريب على حل الصراعات بالوسائل اللاعنفية، ومنها الحوار والتفاوض والتنازل المتبادل والتفاهم وطلب الاعتذار عن العنف بأنواعه والتعويض عن الأذى والتخريب من ماله الخاص أو من ممتلكاته.

أمام  كل هذا العنف العالمي الذي يحيط بنا، والذي لابد أن يترك أثره البالغ على بناء الطفل، بات من الضروري واللازم أن يقوم الأهل بدورهم الأساسي تجاه أطفالهم، وبشكل مضاعف، من خلال حمايتهم من العنف من داخل بيتهم أولاً، وتوفير بيئة آمنة تكتنف في زواياها من الدفء ما يكفي لمواجهة واقعهم ومجتمعهم بتوازن وسلام وصولاً إلى بناء حياة خالية من العنف.

هديل فيزو