الشريط الاخباريثقافة وفن

فيلم “لآخر العمر”.. بطولات وتضحيات ووعود لا تُنسى

في الحروب تُغفل الكثير من التفاصيل عن المعارك التي تحدث وكم من الأرواح قُدمت حتى يتحقق النصر، لانعرف ما حدث إلا من خلال ما يتناقله الناس عن لسان الناجين، أو مايعرض عبر وسائل الإعلام، لكن يبقى الكثير لا يُحكي، إلا أن بعض القصص تجد طريقها إلى مسامع أشخاص قادرين على إيصالها للجميع، فتحرض لديهم فكراً مبدعاً لتجسديها و رواية أحداثها على الملأ..

فيلم “لآخر العمر” قدم إحدى تلك القصص التي جمعت بين تضحيات الجيش العربي السوري وتضحيات الإعلاميين الذين كانوا معهم جنباً إلى جنب لنقل الحقيقة، وتحكي عن اختطاف فريق إعلامي حربي بإحدى المناطق التي تعرضت للإرهاب، وسعي عناصر الجيش لإنقاذه أفراده..

على الرغم من أنه ليس الفيلم الأول للمخرج باسل الخطيب الذي يتناول فيه بطولات الجيش ومعاناة أفراده، والمآسي التي واجهها الكثيرون في هذه الحرب، إلا أنه كان يبتعد عن المباشرة ويعتمد على الترميز في إيصال أفكاره، لكنه في “لآخر العمر” تحدث عن المواضيع بتفاصيل أكثر، مُبرزا جوانب إنسانية لم يُظهرها في أفلامه السابقة، بحسب ما صرح به للبعث ميديا، إذ إن إضفاء اللمسة الإنسانية هو ما يميز الفيلم..

ووفقا للخطيب فإن الحديث عن بطولات الجيش العربي السوري يحتاج لصفحات لاتنتهي، ونحن بحاجة للمزيد من الأعمال التي توثق هذه المرحلة المفصلية والحاسمة من تاريخنا المعاصر، لتقديمها للأجيال القادمة، وليس فقط للوقت الحالي..

البناء الدرامي لقصة واقعية يتطلب معادل موضوعي وفني لما حدث، وهذا ما بينه الكاتب سامر إسماعيل للبعث ميديا، حيث ذكر أن مقاربة الأحداث فيه الكثير من الصعوبة، ولابد من الانتقائية في هذه الحالات لعدم القدرة على الإحاطة بكل ما حصل..

لذا قدم الفيلم مادة درامية تحاكي الواقع، لا تقلده ولا تكون نسخة عنه، بل واقع فني بعيد عن المباشرة، فضلا عن أن طرح هذه القضايا يتطلب جرأة فنية وشجاعة، حيث شدد إسماعيل على أنه ليس من الحكمة أن نقف مكتوفي الأيدي إزاء كل هذا الضخ الإعلامي الخارجي الذي تناول الحرب على سورية، من وثائقيات ودراما..

الصدق في الطرح والتنفيذ والأداء كان ظاهراً بكل تفاصيل العمل، من لقطته الافتتاحية حتى الختام، مشاهد وصور قالت الكثير، عكست التكاتف بين جميع عناصر الجيش من أكبر القادة حتى أصغر المجندين، ففي أرض المعركة الكل سواسية وكل له دوره الذي يكمل عمل الفريق..

مشاعر متعددة تخللت أحداث الفيلم عكستها الموسيقى التصويرية بكل حرفية، والتي كانت صادقة هي الأخرى، على حد قول المؤلف الموسيقي سمير كويفاتي، فهي ليست مجرد جملة وضعت بشكل اعتباطي لكنها نتيجة تحريض إبداعي متكامل من الورق إلى الإخراج والمونتاج والتصوير..

وعن شخصية العقيد عيسى، بطل الفيلم، لفت الفنان وائل رمضان، إلى أن هذه الشخصية تعبر عن كل فرد في الجيش وكل شخص قدم لبلده ويقدم بحبه وانتماءه وإخلاصه وعمله الدؤوب ليكون الوطن بأمان..

لكن رمضان ليس من مؤيدي الحديث عن الحرب خلال الحرب، فهو يعتبر أن موضوع الأزمات والنكبات بالفن هو مسألة انطباعية يجب أن تأخذ وفتها زمنياً، إلا أن هناك حالات خاصة يجب أن تُوثق كما حدث في “لآخر العمر”

تجسيد شخصيات واقعية مرتبطة بالتاريخ يحتاج للكثير من التحضيرات والتجهيزات والبحث لتكون واقية وحقيقية، إلا أن الوضع مع بطلة الفيلم مختلف، فالمراسلة التي تلعب دورها الفنانة رنا شميس، على قيد الحياة، لذا كان كان هناك تخوف من ذلك وصوبة في محاولة محاكاة ما حصل، على حد تعبيرها في تصريحها للبعث ميديا..

كما أشارت شميس إلى أنه مهما أعطى الفنان في عمل يعالج قضية تحدث الآن فإنه يظلم نفسه ويظلم الحدث، لكن هذه الوثائق ضرورية خاصة مع الحرب الإعلامية التي نواجهها..

ولأن البطولات ليست حكرا على الرجال، قدم الفيلم الفتاة القناصة بالجيش العربي السوري، التي أرادت إكمال مسيرة من تحب في طريق المقاومة، ودافعت عن رفاقها بالسلاح رغم كل الظروف القاسية المحيطة، وعن هذه الشخصية تحدثت الممثلة ترف التقي بأن رسالتها الإنسانية التي تحملها جعلتها ترجع إلى ذاتها الحقيقية، كما أنها أضافت لها الكثير على الصعيد الشخصي والمهني..

 

بزمن الحرب لا يمكن قطع الوعود دون التفكير في مدى إمكانية تنفيذها، لكن ذلك العهد الذي أخذته البطلة على نفسها تجاه الشبان الذين أنقذوا حياتها، يعني أن اللحظات التي عشناها ومررنا بها لن نتمكن من نسيانها حتى “لآخر العمر”…

رغد خضور