سلايدعربي

“الانتحار” في جيش الاحتلال.. بين ضعف البنيان وانعدام القضيّة 

ما بُنيَ على غير وجهِ حقّ يبقى هشّاً مهما ادّعى القوة.

 

إن التّضخيم الإعلامي للقوّة التي يدّعيها جيش الاحتلال الإسرائيليّ، ويتباهى بها بين الحين والآخر، تتنافى تماماً مع واقع حاله، حالٌ تؤكده التّسريبات التي تُعلن والحقائق التي تتكشّف والتّصريحات التي تصدر حتّى من قاداته، فواقع الأمر يثبت أن جيش الاحتلال يعاني ضعفاً في البنيان، وهشاشة ليس في المنظومة العسكرية فحسب، بل وحتّى العقائدية، كونه يدرك تماماً أنّه لا يمتلك قضيّة عادلة يدافع عنها ولا يستند على ركائز حقّ يعول عليها..

ضعف وتضليل

ترفض القيادات العسكرية في جيش الاحتلال الاعتراف بالضعف الذي يعاني منه، في محاولة لإخفاء الحقيقة، وتضليل الرأي العام، حقيقة أوضحتها صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، نقلاً عن الجنرال المتقاعد في جيش الاحتلال الإسرائيلي يتسحاق بريك، مفادها أن قادة وضباط الجيش يقومون بتضليل الجمهور بشأن جهوزية الجيش للحرب، ووفقاً لجنرال الاحتلال الإسرائيلي، فإن التقارير التي تصدر حول حالة الجيش العسكرية هو أمر يستدعي تحركاً عاجلاً لمعالجة ما يمكن، مشيراً إلى أن جيش الاحتلال يعاني من ضعف وخلل كبير، لكن القيادة العسكرية تخفي الواقع الحقيقي للأمر، ويعلق بريك على ذلك، قائلا: “قادة الجيش لا يقولون الحقيقة في كل ما يتصل بالخلل في الجيش”.

انتحار متكرّر

تأتي حالات الانتحار  التي تنخر المنظومة العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي لتؤكد التقهقر الذي يعاني منه، ففي كل عام تتكرر حوادث انتحار يستخدم فيها المنتحرون الأسلحة التي تلقوها من جيش الاحتلال، ليعلن مؤخراً رئيس قسم القوى البشرية في جيش الاحتلال، عن انتحار ما لا يقل عن تسعة جنود في الجيش خلال العام٢٠٢٠..

الإحصائية الجديدة، إذا افترضنا “صحتها” ودقة أرقامها، تأتي لتكمل متوالية انتحارية ضمن جيش الاحتلال، فوفقاً لصحيفة “هآرتس” العبرية، هناك “تسعة جنود قتلوا أيضاً عام ٢٠١٨، في ظروف حالات انتحار، وفي عام ٢٠١٧ سجل جيش الاحتلال ١٦ حالة انتحار، وفي كل واحدة من السنوات الثلاث التي سبقتها، تم تسجيل ١٥ حالة انتحار”، وقالت هيئة البث والإذاعة العبرية، إن معظم من يقومون بعمليات الانتحار ينتمون إلى الخدمة الإلزامية، أي من يبلغون السن القانونية للتجنيد الإجباري.

على الصعيد نفسه، باتت حالات الانتحار المنتشرة بين جنود الاحتلال تثير الخوف بين قادته، هذا ما أشار إليه تقرير نشره موقع “0404” الإخباري المقرب من جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث أكد أن ازدياد حالات الانتحار في صفوف جيش الاحتلال، يثير قلقاً لدى قيادته من العودة إلى الحقبة التي أعقبت الانتفاضة الفلسطينية الثانية والتي أصبح فيها الانتحار المسبب الأول للوفيات في صفوف جيش الاحتلال، بحيث سجلت تلك الفترة ارتفاعاً غير مسبوق في حالات الانتحار بين الجنود لتصل خلال العام 2009 إلى 45 جندياً.

الخوف ذاته عبرت عنه صحيفة “معاريف” الإسرائيلية التي أكدت “أن هذه الظاهرة تمثل فيروساً يقضي على القوى البشرية داخل الجيش الإسرائيلي ببطء، وإن هذا الفيروس لابد له من علاج جذري في أقرب وقت، وإلا تحول إلى مرض عضال لا يمكن السيطرة عليها والتخلص منه”، موضحة أن “الجيش الإسرائيلي يعاني بالأساس من نقص في القوى البشرية، وهو ما يجعل من ظاهرة انتحار الجنود خطراً إضافياً يواجه الجيش الإسرائيلي”.

 

لماذا ينتحر جنود الاحتلال..

العامل النّفسي.. لا قضية في حرب دون نهاية

يسيطر اليأس والرفض على غالبية جنود وحدات العدو، حيث بات واضحاً أن لا قضية لديهم يدافعون عنها، وأن معركتهم غير عادلة ولا أمد لها، حرب مفتوحة دون نهاية، وهم يتورطون بها يوما بعد آخر، وذلك كله في ظل قيادة سياسية تبرهن أنها ماضية في سياسة العدوان والاعتداءات ومخالفة القوانين الدولية.

هذا الانقلاب ضد جيش الاحتلال يؤكده الإعلام العبري، الذي كشف أن العشرات من الإسرائيليين أعلنوا رفضهم للخدمة العسكرية، وأوضح موقع “i24” الإسرائيلي، أن “أكثر من 63 إسرائيلياً بعثوا قبل التجنيد برسالة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ورئيس الأركان  الإسرائيلي ووزراء الأمن والتربية والتعليم، يعلنون خلالها رفضهم التجنيد الإلزامي في صفوف الجيش الإسرائيلي”، وجاء في الرسالة: “لقد قررنا عدم المشاركة في احتلال وقمع الشعب الفلسطيني.. الحالة المؤقتة على مدار ٥٠ عاماً ما زالت مستمرة، ونحن لن نستمر بالمشاركة فيها”

بناء على ما سبق، تعود العديد من حالات الانتحار في جيش الاحتلال إلى رغبة الجندي في التخلص من الحياة العسكرية بإنهاء حياته، لما يتخللها من ضغط جسدي ونفسي، وهذا ما أكدته صحيفة “معاريف” الإسرائيلية التي أشارت إلى أن السبب الأول لحالات الانتحار في صفوف جيش الاحتلال يعود إلى اضطرابات نفسية ناتجة بالدرجة الأولى عن مشاركة سابقة للجندي المنتحر في عملية عسكرية في الضفة الغربية أو قطاع غزة، تخللها ضغط نفسي أثر على مجرى حياة الجندي”.

الأمر الذي دفع جيش الاحتلال في الآونة الأخيرة إلى ضم مجموعة كبيرة من المرشدين النفسيين والاجتماعيين، في الوحدات، والقيادات العسكرية الخاصة، بإعداد وتأهيل الجنود والضباط؛ لمتابعة الجنود والضباط الذين يلحظ أنهم يمرون بحالات نفسية صعبة، ومحاولة حلها قبل أن يقدموا على الانتحار.

 

المقاومة.. وقوة الرّدع

أثبت محور المقاومة قدرته على المواجهة أمام جيش العدو الإسرائيلي، واستطاع أن يلحق به الهزائم المتتالية خلال السنوات الماضية، وبرهن عن قوة مكنته من امتلاكه عوامل الردع العسكرية، من خلال استخدامه الصواريخ والأسلحة النوعية في كافة الجبهات القتالية، إضافة إلى الفعالية التي أصبحت تتميز بها عناصر العمليات الخاصة لدى عناصر المقاومة،كما استطاعت أن تبرهن عن حرفية وجرأة نادرة، فكان لهذه القوة أثرها على معنويات جنود العدو، وقدرتها على زعزعتهم وبث خوف المواجهة معها بين صفوفهم.

فساد وفقد ثقة

باتت قضايا الفساد تلفّ القادة السياسيين والعسكريين لكيان الاحتلال الإسرائيلي بعد أن ثبت تورطهم بها، خلال السنوات القليلة الماضية، هذا ما أكده المراقب السابق للكيان القاضي المتقاعد إليعازر غولدبرغ الذي أوضح أن الفساد يهوي بكيان الاحتلال سريعاً إلى الحضيض، مؤكداً أنه صار أخطر من أي خطر سياسي أو أمني يهددها.

من الرشوة والاحتيال إلى شبكات واسعة ومعقدة من الطبقة السياسية العليا المترابطة فيما بينها بشبكة مصالح متبادلة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، تمت إدانة بعضهم (إيهود أولمرت)، كما وجهت اتهامات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال في قضايا جرى التحقيق فيها لمدة طويلة.

إثر هذا الفساد لم يعد لدى جنود وضباط العدو ثقة بقيادتهم العسكرية والسياسية، ما أثر بطبيعة الحال على ضعف أدائهم الذي تبدى بأشكال متعددة كالتهرب من الخدمة، أو الانتحار خوفاً من قرارات الحرب أو قرارات العمليات العسكرية التي فقد قادتها الثقة.

إن دلّت حالات الانتحار داخل جيش الكيان الإسرائيلي على أمر، فهي إنما تدل على ضعف متأصل فيه، ضعف يتبدّى بأشكال مختلفة، وتثبته الوقائع، ومهما حاول قادته تدارك ضعفهم، أو إخفاءه، سيبقى مرئياً وواضحاً ليكون الحقيقة الوحيدة في كيانهم الباطل والمزيف، فما بُني على غير وجه حق يبقى هشّاً مهما ادّعى القوة.

خاص || البعث ميديا