سلايدمجتمع

زواج القاصرات”.. اغتصاب للطفولة وإخلال بالمجتمع

تنتشر ظاهرة تزويج الفتيات بسن مبكرة في سائر المجتمعات ولكن بنسب متفاوتة، ربما تكثر في الدول النامية أكثر من غيرها بسبب الفقر والبطالة اللذان يدفعان الأهل لتزويج بناتهم مقابل مبلغ ينعش أحوالهم وينتشلهم من الحضيض، ولكن مهما تغيرت المسميات وتنوعت الأسباب تبقى ظاهرة اجتماعية بغاية الخطورة لما لها من نتائج وآثار سلبية، فهي اغتصاب للحق بعيش سن الطفولة ببراءته غير القابلة للتعويض.

وللاطلاع على ماهية الزواج المبكر والأسباب التي تدفع بالأهل لتزويج بناتهم دون سن الرشد وتبيان آثاره الصحية والنفسية وسبل الحد من هذه الظاهرة كان لـ“لبعث ميديا” حوارا خاصا مع الأخصائية النفسية أمل قدور

التي بدأت بتعريفه بأنه الزواج دون سن الثامنة عشر وقد يكون هذا الزواج رسميا او اقتران بشكل غير رسمي.

وهناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى الزواج المبكر بحسب قدور منها: المعتقدات السائدة في بعض المناطق بأن الزواج يؤمن مستقبل أفضل للفتاة فعندما يأتي نصيبها يجب أن تتم الموافقة، ومنه من يأتي تحت عباءة “البنت نهايتها لبيت زوجها” و”حلو بس تكبري تشوفي أحفادك وأحفاد أحفادك وأنت لسّه صغيرة”، وللتفكك الأسري دور كبير في دفع بعضهن للزواج المبكر، ناهيك عن حماية الفتاة من العنف الذي من الممكن أن  تتعرض له، وترجع بعض الأسباب بسعي العائلات لتزويج بناتها في سن مبكرة بغية الحصول على مكاسب مادية من قبل العريس في محاولة لقبر الفقر الذي تعيشه، وفي أحيان كثيرة يكون السبب أن الفتيات يرغبن بالزواج المبكر هربا من الدراسة أو من سلطة الأهل.

وتعقّب قدور بأن السبب الأساس يكمن بعدم وجود الوعي اللازم عند الأهل لمخاطر الزواج المبكر، إضافة لعدم المساواة بين الجنسين.

وفي رد حول تأثير الأزمة ومدى مساهمتها في انتشار الظاهرة تقول قدور: دائما في الأزمات والصراعات تزداد المشكلات النفسية والاجتماعية والاقتصادية وكلها ترتبط ببعضها البعض.

فما حصل بسورية بدءا بالحرب وانتهاء بوباء “كورونا” ساهم وبشكل كبير جدا في زيادة حالات الزواج المبكر، فالفقر لدى بعض العائلات دفع الكثير منهم لتزويج بناتهم لتخفيف مصاريف الإنفاق وخاصة إذا كان لديهم العديد من الأولاد، فقدان الأب ساهم أيضا بلجوء بعض الأمهات لتزويج بناتهن خوفا من الاستغلال أو التعرض للعنف أو التحرش.

كما أن حالات التفكك الأسري التي حصلت نتيجة الحرب وزيادة حالات الطلاق قد ساهم أيضا بشكل كبير في زيادة حالات الزواج المبكر.

عدم ذهاب الفتيات إلى المدرسة وتدني مستوى التحصيل الدراسي والبقاء في المنزل ومتابعة المسلسلات والأفلام ومواقع التواصل الاجتماعي واستخدامها بشكل سلبي.. كل ذلك كان له أثر بالغ في زيادة هذه الظاهرة.

فالأزمات والكلام لـ“قدور” دائما تفرز العديد من المشكلات وتزداد سوءا مع تدني الوعي والمستوى الاقتصادي.

وعن كيفية الحد من الظاهرة وسبل معالجتها تقول الأخصائية: لا تستطيع جهة واحدة العمل لوحدها للحد من هذه الظاهرة، حيث يجب تضافر كافة الجهات وعلى كافة المستويات  بدءا من التشريعات القانونية التي تمنع زواج القاصرات وتحاسب بشدة من يقوم بذلك، إضافة لضرورة  القيام بحملات مجتمعية تساهم في زيادة الوعي بمخاطر هذا الزواج على كافة الجوانب الصحية والنفسية والاجتماعية (برامج تلفزيونية – إذاعية – مسرحيات – أفلام قصيرة – مسلسلات – توزيع بروشورات)، إضافة للعمل على تمكين الفتيات وتعليمهن مهارات الحياة والعودة للتعليم وان بشكل غير نظامي، إضافة لدعم الفتيات اللواتي يرغبن بإقامة مشاريع صغيرة، يضاف لذلك التأكيد الدائم على ضرورة التعليم للفتاة من خلال حملات التوعية في المدرسة والمستوصف ومراكز التنمية والجامعة وكل الجهات المعنية بذلك.

في جعبتنا قصّة مؤثرة لفتاة احترمنا رغبتها بعدم ذكر اسمها أو أي شيء ممكن أن تُعرف من خلاله.. بتنهيدة عميقة تبدأ “تالا”  “اسم مستعار” تروي تفاصيل قصتها: تركت المدرسة في الصف الثامن الإعدادي، كانت تعيش مع أسرتها المهجّرة، والداها منفصلان، والدها سافر خارج البلاد وبقيت الأم تقوم بتربية أطفالها الصغار، وليس لديها أي عمل تقوم به، مما سبب لها عبئا إضافيا فاضطرت للعمل في تنظيف المنازل وأجبرت ابنتها على البقاء في المنزل لترعى إخوتها الصغار.

خلال غياب الأم الطويل تعرضت “تالا” للكثير من المواقف المزعجة والتحرّش ولم تستطع إخبار أحد حرصا على سمعتها التي لن يرحمها أحد إذا ما وضعت بين مطرقة الألسنة التي لا ترحم وسندان ذكورية المجتمع، فلجأت للصمت إلا أن تم الاعتداء عليها من قبل شخص بنفس مكان إقامتها فاضطرت الأم لتزويجها منعا للفضيحة.

كانت “تالا” تحب أن تتابع تعليمها كونها من المتفوقات في المدرسة، بعد فترة قصيرة من زواجها تعرّضت للضرب من قبل زوجها وحاولت الانتحار أكثر من مرة وذهبت للمستشفى نتيجة تسمم بدواء تناولته واكتشفت أنها كانت حامل وقد أجهضت بعد تناولها الدواء.

للأسف لم يكن أحد بجانبها فلقد تعودت على الكتمان وإيذاء نفسها فقط، تعيش حاليا مع زوج لا تعرف كيف تتعامل معه ولا تعرف لماذا تزوجها ولماذا أمها زوّجتها بهذه الطريقة ولماذا والدها سافر ولماذا تركت المدرسة، كل هذه التساؤلات مازالت تعيش فيها وتحاول البحث عن طريقة للعيش بكرامة بعيدا عن هذا الوسط الذي دمر حياتها.

وحول الزواج المبكر من الناحية القانونية التقت “البعث ميديا” المحامي الأستاذ  عدي شاهين

الذي شرح لنا الشروط الواجب توافرها ليتم زواج القاصر حيث نصت المادة 18 من قانون الأحوال الشخصية السوري المعدلة بالمرسوم التشريعي رقم 4 تاريخ 5/2/2019 م :

إذا ادعى المراهق أو المراهقة البلوغ بعد إكمال الخامسة عشرة و طلبا الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما و احتمال جسميهما.. و معرفتهما بالحقوق الزوجية .

-إذا كان الولي هو الأب أو الجد اشترطت موافقته .

وفي رد على سؤالنا هل ينطبق الكلام على الفتاة والشاب على حد سواء؟ يقول شاهين بأن قانون الأحوال الشخصية السوري لم يُميز بين الشاب والفتاة فيما يتعلق بموضوع الزواج.

وفي حال قام ولي الأمر بتزويج ابنته القاصر دون إذنها ما حكم الزواج هنا و ما عقوبة الولي؟

يجيب المحامي بأن مثل هذا الزواج يعتبر فاسد لفقدان الأهلية القانونية للزواج و هذه المسألة تعتبر من النظام العام لتعلقها بأحكام سن الأهلية.

كما نصّت المادة 469 من قانون العقوبات المعدل على عقوبة الغرامة من خمسة و عشرين ألفاً إلى خمسين ألف ليرة سورية على كل من يعقد زواج قاصر خارج المحكمة المختصة إذا تم عقد الزواج بموافقة الولي.

ما عقوبة زواج القاصر بـ”عقود شرعية”  دون موافقة ولي أمرها؟

– بالنسبة للعقود التي تتم خارج نطاق المحكمة الشرعية فقد نصت المادة 469 من قانون العقوبات السوري على ما يلي :

1- يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر و بالغرامة من خمسين ألفاً إلى مئة ألف ليرة سورية كل من يعقد زواج قاصر “بكر” خارج المحكمة المختصة دون موافقة من له الولاية على القاصر .

وحول مسؤولية الأهل عن ذلك و كيف يتم ردعهم أو معاقبتهم وما دور الجهات الوصائية؟ يجب المحامي بأنه لم يرد في قانون العقوبات السوري أي نص صريح بمعاقبة الولي الذي يوافق على عقد زواج ابنته القاصر خارج المحكمة بل اقتصرت العقوبة على العاقد الديني والشهود فقط .

أما بالنسبة لدور الجهات الوصائية فتتوقف الملاحقة في هذه الأنواع من الجرائم بناءً على شكوى الولي أو بناءً على إحالة من القاضي الشرعي الذي يودع الإضبارة النيابة العامة ليتم تحريك دعوى الحق العام.

آثاره الاجتماعية والصحية والنفسية

يشكل الزواج المبكر بحسب الأخصائية قدور خطرا على صحة الفتاة وخاصة في حال الحمل إذا كانت غير مؤهلة جسديا ونفسيا مما يتسبب بالكثير من حالات الوفاة للأم أو خطر الإصابة بأمراض مثل السرطان والقلب أو السكري أو السكتة  الدماغية وإذا لم يكن للأم فالطفل يولد يعاني من أمراض كنقص المناعة وغيرها.

أما نفسيا فقد يؤدي إلى اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب لدى بعض الحالات والتي قد تؤدي بدورها للانتحار، كما تكون نهايات الزواج المبكر الطلاق بعد فترة قصيرة من الزواج، وقد يؤدي إلى الخيانة، كل ذلك بسبب عدم اكتمال مفهوم الزواج لدى الفتاة وكم المسؤوليات الهائلة التي تتحملها في سن مبكرة، بينما كان من المفترض بأنها ما تزال تلعب مع فتيات بنفس عمرها لكنها تجد نفسها مسؤولة عن تربية طفل وليس لديها أدنى وعي بأساليب التربية والتعامل مع الأطفال مما يؤثر سلبا على هؤلاء الأطفال ومستقبلهم.

قد تتعرض الفتاة للعنف أو التحرش أو الاستغلال من قبل الشخص الذي ارتبطت به كونها ليس لديها القدرة على التكيف والتعامل  مع أنماط مختلفة من البشر.

من الآثار أيضا هدر الكفاءات وإمكانية الاستغلال بشكل أكبر، وعدم قدرة الفتاة على المشاركة المجتمعية والتي يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على رفاه الفتاة عقليا وبدنيا.

في النهاية وللأسف رأينا من خلال هذا العرض فإن هنالك العديد من الآثار السلبية للزواج المبكر سواء على المدى القريب أو على المدى البعيد وفق ما شرحته “قدور” وهذا ما يساهم في تفاقم المشكلات الاجتماعية التي نلاحظها وبكثرة كحالات الطلاق والمشكلات السلوكية لدى الأطفال نتيجة الإهمال وعدم القدرة على تربية الأطفال بشكل صحيح فالأسرة هي اللبنة الأساسية في بناء جيل واع خال من المشكلات ويتمتع بصحة نفسية جيدة.

 

البعث ميديا|| ليندا تلي