اقتصادالاقتصاد المحلي

هل الاقتصاد السوري اقتصاد نيوليبرالي؟

د. إبراهيم علوش

أثار الحوار حول الليبرالية الحديثة بعد خطاب الرئيس الأسد في جامع العثمان تساؤلات مشروعة لدى البعض حول الليبرالية الاقتصادية، وما إذا كانت سورية تسير في ركابها، ولماذا لم يتم توجيه النقد إليها أيضاً؟

من الواجب اولاً البدء بتعريف ما تعنيه النيوليبرالية الاقتصادية في أي دولة عالم ثالث، لنرى بعدها إن كانت تنطبق على سورية أم لا… ويمكن أن ننظر حولنا لنماذج الأردن ولبنان مثلاً أو لأي نموذج تريدون من أمريكا اللاتينية إلى غيرها:

١) هل يملي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات الاقتصادية العالمية برامجها وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية على صانع القرار في سورية، كما تفعل في غيرها؟

٢) هل الدولة مكبلة بدين عام خرافي لا مجال لسداده إلا بالمزيد من القروض، وبيع مؤسسات القطاع العام للشركات الغربية التي تصبح مسيطرة على الماء والكهرباء والاتصالات إلخ…؟

٣) هل الشركات الغربية العابرة للحدود تحكم وترسم في الاقتصاد وتتعامل مع سوق البلد وموارده وقوته العاملة كشبه مستعمرة اقتصادية؟

٤) هل يتلقى المصرف المركزي السوري قراراته وتعليماته حول سعر الصرف والفائدة من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي؟

٥) هل يمثل القطاع العام حيزاً ضئيلاً من الاقتصاد، وهل القوة العاملة في القطاع العام ومؤسساته تمثل نسبة ضئيلة من القوة العاملة؟

٦) هل تم تفكيك دولة الرعاية الاجتماعية من تعليم وصحة وخدمات عامة لمصلحة شركات خاصة أجنبية تستبيح المواطن؟

٧) هل القطاع الخاص كمبرادوري، أي يرتبط بالخارج، ويعمل وسيطاً له بالداخل، أم أنه مرتبط بدورة اقتصادية محلية وإقليمية ويسهم برفع مستوى الناتج المحلي الإجمالي من خلال الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمات في سورية؟

إن مجرد وجود قطاع خاص محلي، وزيادة دوره الاقتصادي، ليس بحد ذاته دليلٌ على النيوليبرالية، فالنيوليبرالية الاقتصادية شكل محدد، متطرف، من النظام الرأسمالي، لا شكله الوحيد، وهناك نماذج رأسمالية الدولة وراسمالية الرفاه وغيرها… تعاديها النيوليبرالية الاقتصادية في الغرب ذاته.

إذاً وجود قطاع خاص منتج ووطني، لا طفيلي ومرتبط بالخارج، هو نقيض للنيوليبرالية في الواقع… واعلموا أن الشركات التي يسيطر عليها الجيش في مصر مثلاً تجعل نيوليبراليي العالم يستشيطون حنقاً، مع أن باقي الاقتصاد المصري تنطبق عليه شروط النيوليبرالية.

باختصار، أحد أهداف الحرب على سورية هو اخضاعها للمنظومة النيوليبرالية، وهو الأمر الذي لم يحدث بعد، ولن يحدث إلا إذا فقدت سورية سيادتها وقرارها الوطني في الاقتصاد وفي غيره.

الاقتصاد السوري ما برح اقتصاداً مختلطاً، والأهم أنه غير تابع، وغير مندمج بمنظومة العولمة التي تسيطر عليها الشركات الغربية الكبرى والمؤسسات الاقتصادية الدولية.

ولا يلغي ذلك أن هناك قوى فاعلة داخل سورية وخارجها تسعى وتتمنى دفع سورية إلى حضن النيوليبرالية الاقتصادية بالتوازي مع التطبيع مع العدو الصهيوني والعودة إلى عهد الانتداب.