سياسةعربي

هل هناك من معارضة تعارض ذاتها لهذا الحد؟

قبل أيام قليلة من انعقاد الجولة السادسة من جلسات لجنة مناقشة الدستور في جنيف أعلنت وزارة الخارجية السعودية عدة قرارات تتعلق بما يسمى هيئة التفاوض السورية, كان من أبرز تلك القرارات تعليق عمل موظفي الهيئة ووقف صرف الرواتب لأعضائها بنهاية الشهر الحالي, وهو ما يحمل تفسيرات متعددة للقرار السعودي:
1.تفاقم الخلافات والانقسام بين صفوف الهيئة, وبخاصة أن هذه الخلافات ليست بجديدة ولكن هناك صراع متعلق بتوزيع نفوذ فيما بينها والتمثيل في لجنة مناقشة الدستور, فضلا عن الخلافات الدائرة بين أقطابها والمتعلقة باحتكار القرار والتصويت, والعلاقات المتعددة لأطرافها, والاختلاف حول طبيعة المسار السياسي.
ونتيجة احتدام هذا الصراع والخلاف دفعت ما يسمى “هيئة التنسيق الوطنية” ومنصتا موسكو والقاهرة منذ أيام لإرسال رسالة إلى المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون, حثت الرسالة بيدرسون على “التدخل السريع” لحل الخلافات داخل الهيئة، والحفاظ على “اللجنة الدستورية”.
وهو مايؤكد حصول هذه الشرخ والانقسام حول مسائل متعددة, لم تستطع السعودية وأطراف الهيئة من حلها منفردة, مع ترجيح بعض المعلومات أن هناك قسم من الهيئة بدء يميل للتقارب مع الجانب الروسي وهوما يهمش أي دور للسعودية, ولاسيما بعد الاجتماع الذي جمع منصتي موسكو والقاهرة مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأسبوع الماضي في موسكو.
2. تصاعد الخلافات الى السطح من قبل ثلاثة تكتلات معارضة مشاركة في هيئة التفاوض منصة القاهرة ومنصة موسكو وهيئة التنسيق الوطني، وبعثها برسائل متتالية قبل ايام الى المبعوث الدولي الى سورية غير بيدرسون ووزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ووزير الخارجية المصري سامح شكري طالبت فيها الاطراف الثلاث التدخل لحل الانقسام الحاصل داخل مايسمى (هيئة التفاوض) والحفاظ على وحدة اللجنة الدستورية واستمرارها، واتهام المنصات الثلاث مايسمى الائتلاف السوري المعارض احد مكونات الهيئة بالتفرد بالقرار والهيمنة على قرار هيئة التفاوض وتعطيل نجاح عمل اللجنة الدستورية, وهذا ينبأ بثلاث سيناريوهات:
_الأول: تجميد عمل اللجنة الدستورية وتعطيل عملها لفترة مؤقتة ريثما يتم إحداث توافق, رغم انعقاد الجولة السادسة من اجتماع اللجنة بغياب ممثلي عن منصتي موسكو والقاهرة, وهو مايفسر محاولة المبعوث الدولي تدوير الزوايا والحفاظ على الوضع الراهن لعدم انزلاق الأمور نحو فشل عمل اللجنة.
_الثاني: انتقال معظم أطياف الهيئة في حال اشتداد الخلاف فيما بينها, للتنسيق مع الجانب الروسي, وليس التركي, لأن معظم أعضائها لهم تجارب خلافية مع تركيا, ويختلفون هم ومرجعياتهم مع أنقرة إيديولوجيا, باستثناء الائتلاف.
_الثالث: أن نشهد المزيد من التشرذمات داخل المعارضات وبخاصة مع تزايد اهتمام الدول الداعمة لها بأوضاعها الداخلية مع وصول إدارة أميركية جديدة للحكم , في ظل العلاقات الشخصية السيئة بين أردوغان ومحمد بن سلمان من جهة مع الرئيس جو بايدن من جهة أخرى.
3.قد يكون هذا القرار مقدمة سعودية لإعادة هيكلية وفد الهيئة بشكل تضمن ولائه, ولاسيما أن الرسالة التي أرسلتها بعض مكونات مايسمى هيئة التفاوض السورية تضمنت رفضها لقرارات صادرة عن اجتماعات غير شرعية للهيئة والمخالفات القانونية والنظامية للقرار، وهذ مادفع الرياض الطلب من الهيئة توضيحات حول ما ورد في رسالة الكتل الثلاث (هيئة التنسيق ومنصتي موسكو والقاهرة), وبصورة خاصة بعد تلميح بعض الشخصيات المعارضة الى اختلال التوازن داخل هيئة التفاوض لصالح تركيا, ما يجعل اليد العليا فيها للنفوذ التركي على حساب النفوذين السعودي المصري، وهوأحد أهم الاسباب الخلافية المزمنة داخل الهيئة.
4. قد تكون الخطوة السعودية تتضمن إرسال رسائل إيجابية لمحور المقاومة, بالتزامن مع فتح قنوات تواصل للحوار مع إيران بعد نهاية ولاية الرئيس دونالد ترامب, الذي ألزم السعودية عدم تطبيع علاقاتها مع دمشق أثناء ولايته.
مهما كان سبب هذا السلوك السعودي الذي قد يكون مؤقتا أو أنه قد يتطور أكثر وأهميته من عدمها, الأهم من ذلك هو واقع مايسمى المعارضات السورية التي مازالت تراهن على الخارج ليس فقط لتحقيق اجنداتها السلطوية, بل لتحقيق انسجام فيما بينها, وهو دليل جديد أن الدول الداعمة لها قد تتخلى عنها في أي لحظة وعندما تتطلب المصلحة ذلك, وهي في الوقت ذاته متألفة ضمن هيئات أو مجالس أو تكتلات سياسية انطلاقا من المصلحة الشخصية….. فهل هناك من معارضة تعارض ذاتها لهذا الحد؟

محمد نادر العمري