مجتمع

تعدد الزوجات… مابين مرارة «الضرّة» ومشكلات العنوسة

قبل عشر سنين خلت كانت الفتاة تحت أي مسمى لا تقبل الزواج إلا من فتى أحلامها، أما اليوم وبعد الكثير من الأحداث التي عصفت بالبلاد من تهجير ودمار وخراب إلى حصار اقتصادي جائر  وتفشي الكورونا وارتفاع الأسعار التي زادت “الطينه بلّه” باتت الفتاة تقبل النزول على الخانة كزوجة ثانية، وربما في حالات قليلة زوجة ثالثة تحت غطاء البحث عن دعم و”سترة” وخشية قذفها بوابل الاتهامات في حال بقيت بلا زواج.

من واقع الحياة

“الرجّال بالبيت رحمة ولو كان فحمه” بتلك العبارة اختصرت “سهى” “اسم مستعار” قصتها، قائلة: قبلت أن أكون “ضرّة” بعد أن أصبحت أرملة وأم لثلاثة أطفال بعد أن استشهد زوجي في معارك الشرف، وبعد أن تحملت الكثير من الصعاب والضغوطات المادية التي أرغمتني على قبول هذا الزواج كي ينعم أطفالي بحياة كريمة بظل رجل يكون لهم دعما وسندا يتكئون عليه في رحلتهم الطويلة.

أما نسرين “اسم مستعار” فتاة عشرينية خريجة جامعية وموظفة بإحدى الشركات الخاصة تقول تزوجت رجل تجاوز الستين ولديه زوجه وأولاد أكبر مني سنا، رغم رفض أهلي المتكرر وتهديدهم ووعيدهم لي بالنكران في حال لم أتراجع عن قراري ولكن حبي وعشقي الكبير له زادني إصرارا ما دفعهم في نهاية المطاف للقبول بأمر الواقع.

هالة “اسم مستعار” فتاة تجاوزت الأربعين بقليل تقول قبلت أن أتزوج على “ضرّة” لرجل ستيني بعد أن فقدت الأمل في عودة خطيبي الذي انقطعت أخباره في معارك الدفاع عن الوطن ورغم محاولاتي وأهله الوصول إلى أي شيء يوقد الأمل في قلوبنا ولكن بلا جدوى، أربع سنوات وأنا انتظر إلى أن نبّهتني والدتي بأن قطار العمر يمضي ويجب أن أعتلي أول عربة تأتي وإلا بتّ ممن يصفهم المجتمع بـ”العانس”.

حول المزيد من الأسباب التي تدفع بالفتيات لهكذا زواج وآثاره على الأسرة والمجتمع في ظل عزوف الشاب عن الزواج وخاصة خلال السنوات القليلة الماضية وغيرها من الاستفسارات التي فنّدتها ووضحتها الداعمة النفسية في وكالة الغوث الأستاذة أمل قدور في لقاء مع “البعث ميديا”.

أسباب زيادة تعدد الزوجات

تشير الإحصاءات إلى تعدد حالات الزواج الثاني وفق ما أوضحت قدور التي أرجعت ذلك كنتيجة لما خلّفته الحرب من نزوح وتنقل وهجرة وكثرة حالات الوفاة من الذكور، وسفر بعض الشباب لمتابعة تحصيلهم العلمي في الخارج، مما أدى لزيادة حالات الطلاق وتعدد الزوجات وزواج القاصرات وكثرة الظواهر الاجتماعية، فأصبحت أغلب الأسر بدون ذكور وبنفس الوقت تراجعت معدلات الزواج وارتفعت نسبة الأرامل.

وتعود أسباب الزواج من امرأة ثانية أيضا لوجهة نظر الزوج بزوجته الأولى وحسب مزاجيته بأنها غير قادرة على تحمل مسؤولية الأطفال وأعباء المنزل وتلبية متطلبات الزوج وفي المقابل قد يكون هو أساسا لا يتحمل مسؤولياته.

إضافة لبحث الزوج عن أسلوب حياة جديد غير المعتاد عليه من زوجته، وعدم قدرة الزوجة على الإنجاب، وربما بسبب مرض ما أصابها، أو فارق ثقافي ودراسي وأحيانا عدم وجود اهتمامات مشتركة، وقد يلعب الأهل دورا في دفع الزوج للزواج مرة أخرى، وقد يكون بالأساس الزواج الأول مبني على مصلحة أو اختيار خاطئ.

وفي حالات كثيرة يكون الزواج الثاني بهدف تحقيق مكسب اقتصادي إذا كانت الزوجة الثانية ميسورة ماديا، وأحيانا للحصول على مكاسب اجتماعية أو بسبب مشاعر المحبة بين الطرفين، وفي كثير من الأحيان يكون من باب إثبات الرجل لرجولته وأنه قادر على الزواج من أخرى، والبعض يتزوج بثانية بدلا من اللجوء لعلاقات غير شرعية.

وعن اقتصار ظاهرة تعدد الزوجات على البيئات الفقيرة وغير المتعلمة تقول الأخصائية: ليس بالضرورة أن تكون مقتصرة على البيئات الفقيرة أو غير المتعلمة، ولكن الفقر عامل أساسي يدفع بالكثير من العائلات لتزويج بناتهن للتخفيف من المصاريف وخاصة في هذه الظروف الاقتصادية السيئة، من جهة أخرى الخوف من كلام الناس وقلة الوعي يدفع بالفتيات بأن تكون زوجة ثانية.

نسمع قصصا لبعض رجال الأعمال أو ميسوري الحال بزواجهم من ثانية “بشكل سرّي” بينما الأعزب عازف عن الزواج مجبرا..ما هي المؤشرات المستقبلية لهكذا حالة؟

هذا الموضوع في غاية الأهمية وفق ما أكدته قدور لأن اغلب حالات الزواج هي غير مسجلة “زواج بالسر” خوفا من الزوجة الأولى وخوفا من نظرة المجتمع إذا كانت من طبقة مختلفة أقل اجتماعيا، ولهذا الموضوع العديد من الآثار السلبية في المستقبل وخاصة في حال وجود أطفال، أما عدم قدرة الأعزب على الزواج فهذا سيتسبب بالعديد من المشاكل الأخلاقية ولجوء الشباب لتلبية رغباتهم بطرق غير مشروعة مما يزيد من نسب الرذيلة وانعدام القيم الأخلاقية.

وهنا من المفترض أن تتخذ الدولة إجراءات تساعد هؤلاء الشباب للزواج كتحسين الأوضاع الاقتصادية وتأمين سكن شبابي وربما دعمهم بقروض لتمويل مشاريع صغيرة وتسريح الشباب بعد خدمة طويلة، كل ذلك يساعد ويحفز على الزواج لمن يرغب بذلك وبدوره يحافظ على الأخلاقيات، والكلام بحسب الأخصائية.

سلبيات وإيجابيات تعدد الزوجات

من سلبيات تعدد الزوجات بحسب قدور: التفكك الأسري والخلافات التي تنشأ بين الزوجين وقد يحدث الطلاق وتعكس سلبا على الأبناء وتؤدي إلى تراجع المستوى الدراسي، إضافة إلى لجوء بعض الأبناء إلى سلوكيات خاطئة هروبا من مشكلات الأب والأم، وزيادة التكاليف المادية مما يؤدي إلى تدني مستوى الخدمات التي تقدم للأسرة.

أما اجتماعيا: فإن تقسيم الوقت بين عائلتين يقلل المهام ومتابعة الأبناء والجلوس معهم لوقت أطول وخاصة في ظل الظروف الراهنة التي تحتاج إلى متابعة للأبناء بشكل أكثر بالتالي سيقل الوقت الذي يقضيه الأب مع أبنائه لتوجيههم بشكل صحيح.

من جانب آخر في حال وجود أبناء من الزوجة الثانية قد تنشأ عداوة بين الأبناء مما يؤثر على سلوك الأبناء ويؤدي إلى مزيد من التفكك الأسري.

أما أثره على الزوجة: فهنالك ضرر نفسي حيث تشعر بالامتهان لكرامتها من قبل زوجها  وشعورها بالنقص والنقمة بنفس الوقت، أما بالنسبة للزوج فهي زيادة أعباء ومسؤوليات وتكاليف جديدة.

في حين إذا نظرنا للجانب المشرق من الموضوع  في حال الزواج الثاني على اعتبار أن الزوج يصيبه الملل والفتور في علاقته الزوجية بعد فترة قد تطول أو تقصر، فوجود زوجه ثانية يجعله أكثر اشتياقا لزوجته الأولى ويحاول تحسين علاقته معها تخفيفا من المشاكل وبنفس الوقت تساعد الزوجة الثانية الزوجة الأولى بالتخفيف من تحملها أعباء الزوج، وقد يكون هذا حافزا للزوجة الأولى لتقوية علاقتها بزوجها، ومن فوائد تعدد الزوجات استمرار الأسرة وذلك في حال عدم قدرة الزوجة الأولى على الإنجاب مما يضطر بالزوج للزواج وإنجاب الأطفال لتكوين الأسرة، وربما رعاية الأبناء والاهتمام بهم في حال إصابة الزوجة الأولى بمرض ما وعدم قدرتها على رعاية الأبناء وتربيتهم، وكذلك الوقاية من انتشار الأمراض كاللجوء لعلاقات غير مشروعة.

في الختام قبل اتخاذ قرار الزواج بثانية انظر لأبنائك، لمستقبلهم، وماذا ستقدم لهم أو ستقدم لنفسك وهل ستكون عادلا؟

 

البعث ميديا|| ليندا تلي