سلايدمجتمع

المرأة ليست “ضلعا قاصرا”..!

يبقى واقع الفتاة قائما على الخشية من المجهول، فبعض المجتمعات تنظر للمرأة بصفتها تابعة للرجل، مستهجنة استقلاليتها التي تبقى موضع اتهام وتساؤلات جمّة.

في جعبتنا اليوم صورة لسيدة سورية يُحتذى بها، ضحّت وكابدت كُرمى الحفاظ على عائلتها من التفكّك وخشية تنمّر المجتمع عليها بنعتها “مطلّقة”، والهاجس الأكبر كان الخشية على مستقبل بناتها، إذ غالبا ما تقاس البنت بمقياس أمها، أي على مبدأ “انظر للأم ثم تزوج البنت”.

بنت أم ولد…؟

“الأولاد بيكسرو الضهر”، هكذا بدأت “سماح” “اسم مستعار” لسيدة خمسينية موظفة في إحدى المؤسسات الحكومية حديثها متنهدة بتثاقل مطلق، “تزوجت أوائل العشرينات من عمري بعد قصة حب جمعتنا لسنتين، مضت السنون ورزقنا بفتاتين، بعدها حذرني الطبيب من خطر الإنجاب على صحّتي التي باتت تعاندني، ولكن رضوخي لرغبة زوجي وإصراره على الصبي جعلني أتجاهل صحتي وأنجبت ثلاثة فتيات أخريات، إلى أن بلغ بي المرض حدا بتّ معه طريحة الفراش لا أقوى على الحراك، هنا انقلب حبّه الجارف لنفور وفتور وتهديد بالزواج من أخرى، فنحن بحسب قولها مجتمع شرقي “ذكوري” يحبّذ الصبي ليحمل اسمه ويرثه، أما الفتاة على حد وصفها، والكلام عن لسان زوجها، الفتاة مهما علا شأنها نهايتها لبيت زوجها”.

دموع وجدت مسربا لها في خطوط الزمن والتعب التي خُطّت على وجنتيها، مسترسلة “سماح” حديثها، منغّصات ومشاكل كان يفتعلها من لا شيء وكلام مسموم يمينا وشمالا، إلى أن طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، تنازلت عن كامل حقوقي ونفقتي وأخليت البيت مقابل إبقائي على خانته كي نحافظ على سمعة الفتيات.

كان له ما أراد تزوج ورزق بغلامين، فرحت له ولكن الفتيات سكن الكره قلوبهن ونفرن من والدهن وما فعله حتى بتن يتحاشين رؤيته حين يأتي لزيارتنا بين الفينة والأخرى.

حكمة المرأة ..

الشيء العظيم الذي يحسب للسيدة أثناء سردها القصة أنها زوّجت ثلاث فتيات وحين كان يتقدم أحدهم لخطبتهن كانت تصرّ على طلبها من ولي أمرها، لا تقتصر تضحيتها هنا بل وضعت على الجرح ملح وكسبت ودّ ضرتها وابنيها لتوطيد العلاقات الأسرية بيننا حتى غدونا أسرة واحدة لكن كان للقدر رأيا آخرا أن أصبح أرملة لا مطلقة، يخونها صوتها للحظات ثم تسترسل “الحمدلله” صحيح أني بتّ أرملة ولكن بناتي غدا لهنّ سندا قويا في مواجهة صعاب الحياة.

للتعنيف شكل آخر

في صورة مغايرة تماما نرى أن “مها” الأم التي عنّفت من قبل زوجها لسنوات عكست معاناتها وتجربتها في ابنتها عبر تلقينها تعليمات وأوامر ترتيب المنزل ورعاية أخوها الصغير فترة غيابها عن المنزل، وهذا ما أكدت صحته دراسات اجتماعية بأن المعنَّف قد يصبح معنّفا لغيره، والمتحرَّش به قد يصبح متحرّشاً بالآخرين، في ردّ فعل ونتيجة الشعور بالحقد والرغبة في الانتقام.

ربما هي عادات وتقاليد توارثتها بعض النسوة من بيئتهن التي زُرعت فيها عرف “الفتاة نهايتها لبيت زوجها” بالمقابل يشبّ الصبي على ثقافة أنه “سي السيد” طلباته مستجابة من قبل أخته ومن قبل زوجته لاحقا.

هذه القصص تسود ربما في المدينة أكثر من الريف باعتبار في القرى الأب يصحب ابنه إلى العمل أو الحقل فتصقل ثقافة الاعتماد على النفس وينمو حس المسؤولية لديه.

فاتن سيدة ثلاثينية أم لصبيين تقول: كابدت وصبرت كُرمى لهما على أمل السنين تغير الطباع ولكن “من شبّ على شيء شاب عليه” بتلك الجملة أكملت حديثها بحرقة تنمّ عن حجم المرارة التي تشرّبتها، رغم طابع الاستقلالية الذي عشناه في البيت إلا أن انصياعه المفرط لأوامر والدته وتدخلها في أصغر تفاصيل حياتنا وتهميشها لوجودي كسيدة مثقفة ومعلمة أجيال شكّل محرّضا لزوجي أكثر على ذلي وإهانتي وتعنيفي نفسيا وجسديا ما زاد الهوة بيننا حينها فقط كان الطلاق هو الفيصل، وبلغ به الأمر أن حرمني رؤية طفليي، لاضطر بعدها اللجوء إلى المحاكم ورؤيتهم عبر المجلس العائلي الذي خصص لنا يوما في الأسبوع، وبعد مضي سنتين على الطلاق كان للقدر بصمة في لمّ شمل العائلة من جديد من خلال الصبيين الذين كان لهما دورا بارزا في كسب ودّ جدتهما ووالدهما لنبدأ صفحة جديدة وباستقلالية تامة.

الجهل وبيع الوهم..

وفي السياق وعطفا على قصة السيدة الأولى “أم البنات” ومن باب العلم بالشيء لمن يحاول تجاهل الموضوع وجعل زوجته شمّاعة يعلّق عليها فشله أو ربما عجزه عن تحديد نوع المولود، أكد طبيب نسائي فضّل عدم ذكر اسمه بأن نوع الجنين لا يتخذ فيه أي من الوالدين قرارا، فكل الأزواج لديهم فرصة بنسبة 50% لإنجاب صبي، و50% أخرى لإنجاب فتاة، وطريقة تحديد جنس الجنين تعتمد على الحيوان المنوي الذي يصل أولا للبويضة ويلقحها، وبذلك الحيوانات المنوية للزوج هي المسؤولة بالكامل عن تحديد جنس الجنين، أمّا أنتِ “المرأة” مجرد مُستقبِل ولا دخل لكِ بتحديد نوع الجنين.

ختام الحديث كان للأخصائيين الاجتماعيين ثلّة نصائح بأن يكون للمدرسة والأسرة ووسائل الإعلام دورا في التوعية بتعليم الأطفال الاعتماد على الذات وشرح الظروف المعيشية التي يكابدها الآباء بغية تربيتهم وتنشئتهم وهذا بدوره يساهم في تنمية حس المسؤولية وبالتالي تخف طلبات الأولاد، فلو كلّ منا بدأ من نفسه وعلّم ابنته الاستقلال المادي لكانت حلمت برفيق درب يكمل معها مشوارها لا عن معيل تهرب به من رثّ أهلها وشحّهم، والأمر سيّان للصبي فتعليمه الاستقلال المنزلي يجعله يبحث عن شريكة حياته لا عن مربية لأطفاله وخادمة لمنزله.

 

البعث ميديا|| ليندا تلي