ثقافة وفن

“على صفيح ساخن”.. طروحات الواقع الشائك ورسائل النهوض به

 

إن لم يستطع الفن، بمختلف وجوهه وصوره وتجلّياته وبحثه اللانهائي عن الجمال، أن ينبض بالواقع فيحاكيه وينقله، كما هو، ويبثّ رسائله محاولاً معالجته، ويسخّر كلّ أدواته للارتقاء والنّهوض به، فما هي مهمّته إذن؟!

في زمن بات فيه الإنسان يسير على صفيح من نار بخطا حارقة، فقد معها القدرة على الإحساس بالألم، حتى اعتاده وغدا جزءاً لا يتجزأ منه، في هذا الوقت بالذات يصبح على الفن أن ينهض برسالته الإنسانية الأسمى، ليكون في جانب من جوانبه صوت من لا صوت له، فينقل معاناة الناس ويصور تفاصيلها، ويبثّ صرخات الألم الصامتة بصوت يترك صداه وأثره..

من خلال طروحاته المختلفة، يحاول مسلسل “على صفيح ساخن”، أن يحمل على عاتقه مهمة التعبير عن المتلقي، من خلال الخوض في مساحة الواقع الشائك والصعب، فيتطرق لأكثر الملفّات قسوة وسواداً وأشدّها وعورةً، فمن الخوض في عوالم عمالة الأطفال، والظاهرة الاجتماعية الخطيرة والمنتشرة في الفترة الأخيرة “النبش” وجمع القمامة، بما تحمله من ظلم للطفل وخوف عليه وعلى مستقبله، إلى عالم تجارة المخدرات ورصد كل ما يلف هذا النفق المظلم بقسوته ومافياته وسطوة تجاره، وصولاً إلى طرح العديد من المشكلات التي يعاني منها مجتمعنا، بشكل أو بآخر، ليشكل العمل منبراً علنياً يضع صناع التغيير وجهاً لوجه أمام واقع يجب تغييره.

منذ المشهد الأول انطلق سيف السبيعي بعمله بقوة متعمداً التّشويق والجذب بمشاهد مفاجئة وصادمة، مع الدقة بنقل الصورة الحقيقية للعوالم التي اختار الإضاءة عليه درامياً، من خلال التركيز على التفاصيل التي صنعت الفارق وارتقت بالصورة إلى الواقعية، فلم يفغل العناية بشخصياته من خلال الاهتمام بملامحها وشكلها وحتى لونها وثيابها، بما يتوافق مع عوالم الشخصية والبيئة التصويرية، وبما يساهم بإقناع المتلقي برؤية بصرية أراد من خلالها نقل المعاناة وترك الأثر المنشود، متّكلاً في ذلك على مجموعة من الممثلين المحترفين الذين استطاع كل منهم ترك بصمته الخاصة وسبر عوالم الشخصية وإعطاءها أبعادها لدرجة تقمصها، وأكثر ما تبدى ذلك في شخصية الطاعون التي جسدها ببراعة سلوم حداد، كما استطاع عبد المنعم عمايري تقديم شخصية “أبو كرمو” بإتقان ملفت..

يُحسب للكاتبين علي وجيه ويامن الحجلي بناء نصّ محكم جيد شكّل أساساً قوياً وبنية نوعية ميزت العمل من خلال استقراء أهوال الحرب وتداعياتها على المجتمع والطبقة الضعيفة التي سحقت في الفقر، إضافة لطرح مفاصل مهمة بنفَس واقعي وبمعالجة درامية جعلت من الطرح وسيلة للوصول إلى الغاية بحياة أكثر عدلاً، في سياق حبكة متماسكة وتواتر تصاعدي للأحداث تعيشها شخصيات مكتملة، تطرح منطقها وفكرها وفق تجربتها الخاصة التي تتوضح من خلال حواراتها والتعامل مع ما يطرأ لها من أحداث وما تتعرض له من ضغوطات ومصاعب في الواقع الصعب ضمن إطار لا يخلو من التشويق..

يأتي العمل ليشكل خطوة مضافة لخطوات طريق عودة لا بد منه للدراما السورية، لتستعيد وجهها ووجهتها ومهمتها التي لطالما استطاعت أن تقوم بها بالشكل الأمثل، المسألة لا تتعلق فقط بوجود الطاقات المحترفة والموهوبة، فهي موجودة وبقوة وبجدارة، بل أيضاً بالدور المناط بشركات الإنتاج التي لابد أن ترعى هذه الطاقات وتقدمها كما يجب، وفق طرح متميز وصورة بصرية لائقة.

البعث ميديا || هديل فيزو