سياسةعربي

ما وراء استعراضات “كوهين”

“كلّ من يمثّل تهديداً محتملاً لإسرائيل يجب ألاّ يظل موجوداً”..

عبارة أوجز بها “يوسي كوهين” مبادئه المسمومة خلال رئاسته للموساد الإسرائيلي، “مهندس” اتفاقيات “السلام” المزيّفة في الشرق الأوسط، و”الرّاعي” الأول لاتفاقيات التّطبيع التي وقّع خلالها بعض الحكام العرب سطراً آخر من الاستسلام، عبّر بجملته التي حاول  التّحايل عليها والتّراجع عنها، عن بنية الفكر الصهيوني القائم على إبادة كل من “يهدّد” “وجوده” الزائل، كل من يقاومه ويتمسك بوجوده ويتصدى لعدوانه، كل من يفكر أن يقول له “لا” الحق، في زمن “نعم” الباطل، عبارة “كوهين” تحمل في مضمونها الكثير، وتضع حكام التطبيع وجهاً لوجه أمام اتفاقيات “سلامهم” مع من يتهدّد وجودهم ويعتقد بضرورة إبادتهم، بعد أن غفلوا أو تغافلوا عن الحقيقة الواضحة التي بني عليها الكيان الإسرائيلي، والتي لن تقتصر فيها مخططاته التوسعية على ما احتله من أرض، فالكل مدرك أن أوهامه تذهب أبعد من ذلك بكثير.

استعراضات “كوهين” التي أتت خلال لقائه مع القناة الإخبارية “الإسرائيلية 12″، لم يكتف خلالها بالكشف عن تفاصيل دوره في التطبيع مع بعض العرب، بل استفاض بالحديث عن تفاصيل استهداف الكيان للبرنامج النووي الإيراني، واغتيال العالم محسن فخري زاده، مهدداً  باستهداف علماء إيرانيين آخرين ضالعين بالبرنامج النووي الإيراني بأنهم قد يصبحون أهدافاً للاغتيال، ملمحاً إلى أن كيانه كان وراء الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له منشأة نطنز النووية في إيران، الأمر أن كوهين كان يتشدّق بإرهابه دون أن يقيم وزناً لا لوكالة الطاقة الذرية، ولا لأي منظمة أممية أو إنسانية، والأدهى أن تمر هذه الانتهاكات والجرائم التي يتباهى مجرموها بها دون حساب أو مساءلة، وسط تواطؤ أممي وصمت عالمي قديم جديد في ظل الانحياز الكامل لهذا العدوان والتغاضي عن جرائمه.

المتتبع لملف “كوهين” يدرك أنه إنما يحاول التستر وراء استعراضاته ليخبىء، هو وحكومته، ما لا يريدون ظهوره للعلن من هزائم واضطرابات وأزمات داخلية وخارجية، فتزامن تعيين رئيس جديد للموساد مع انتهاء العدوان الأخير على غزة، يطرح إشارات استفهام حول إن كان لنتائج هذا العدوان دور في الإسراع بالاستغناء عنه وإقالته وتعيين غيره، وهذا غير مستبعد، خاصة أمام الاختراقات الأمنية والإخفاقات العسكرية الكبيرة التي مُني بها خلال العدوان على غزة، وأمام حجم الأضرار الناجمة عنه، والتي بلغت ضعف الخسائر خلال العدوان على القطاع عام 2014،  والتي أدّت بشكل أو بآخر إلى محاولة نتنياهو تخفيف المسؤولية عنه وإلقاءها على كوهين ليُستتبع ذلك بإقالة كوهين، وانتهاء حكم نتنياهو.

أمام الأزمات الداخلية التي تسيطر على الساحة السياسية والحزبية داخل كيان الاحتلال، والأزمات التي خلّفها العدوان على غزة، وإرث ملفّات الفساد الذي تركه نتنياهو وراءه، لن تكون مهمّة رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت سهلة، وهذا ما بدا جلياً، منذ اللحظات الأولى لتسلّمه، من خلال الهجوم غير المسبوق الذي تعرض له أثناء مراسم تنصيب حكومة الاحتلال الجديدة التي لن تختلف سياساتها العدوانية في الشرق الأوسط عن نهج من سبقها، فالاجتماع الأول الذي سيترأسه بينيت، اليوم، سيكون للتّصديق على خطط عسكرية جديدة، بدعوى استئناف الحرب على قطاع غزة، ليثار التساؤل حول ما إذا كانت السياسات التي ستتبعها بعض الحكومات العربية مع هذه الحكومة ستختلف، أم أنها ستبقى على حالها؟

البعث ميديا || هديل فيزو