صحة

«الفصام»… تداخل الواقع والخيال

مفاهيم خاطئة نقرؤها عند الكثير من الكتاب، أو نسمعها لدى عامة الشعب منها “فصام الشخصية” الذي يستخدمونه بمعنى ازدواج الشخصية.. فغالبا ما ينعتون شخصا سويا كان أو غريب الأطوار يظهر بشخصية معينة ثم يتقمّص شخصية أخرى أو عندما يبدي موقفين فكريين متعارضين بأنه يعاني “الفصام”.

لتفنيد هذا المصطلح وما يتعلق به من تساؤلات التقينا الطبيب النفسي باسم محسن يوسف الذي بدأ حديثه لـ”البعث ميديا” بتعريف الفصام باعتباره مرضا عقليا مزمنا يُفقد المريض القدرة على التعبير بشكل سليم أو التفكير بشكل واضح ومنطقي ومترابط، مؤكدا بأن مريض الفصام لا يملك شخصيتين بل يملك شخصية واحدة، فهو يعيش حالة تداخل بين الواقع والخيال لا شعوريا لأنه يعيش في عالمين في نفس الوقت، عالم الهلوسة والخيال وعالم الواقع ما يؤثر بالتالي على تفكيره وسلوكه وكلامه.

توهمات و اهلاسات..

تسيطر على مريض الفصام التوهمات (كأن يتوهم انه مراقب من قبل جهة معينة أو مضطهد وملاحق ..الخ)، إضافة للاهلاسات (كأن يسمع صوت غير موجود يأمره أو يعلق على تصرفاته..الخ ) وفق ما ذكره الطبيب من أعراض الفصام، ومنها أيضا اختلال وظيفة اللغة حسب درجات المرض وأنواعه، فتتعدد معانيها وتلتبس ألفاظها ويضطرب بناؤها ومحتواها فتجده ينتقل في نفس الجملة ونفس الخطاب من فكرة إلى أخرى لا علاقة رابطة بينهما، إضافة لتبلّد أو اضطراب مشاعره، علاوة عن هذيان أفكاره، ومن الأعراض السلبية للفصام، تراجع بالشخصية والمهارات، وفقدان القدرة على العمل بصورة طبيعية، مثل أن يُهمل الشخص النظافة الشخصية أو يبدو بلا انفعال (لا يجري تواصُل بصري، لا تتغيَّر تعابير وجهه أو يتحدَّث بنبرة ثابتة)، ومن الأعراض أيضا فقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية، وانسحاب الشخص اجتماعيا، ناهيك عن نقص الإرادة وفقدان الطموح وتراجع القدرات العقلية، أضف لذلك فقد البصيرة بمعنى لا يدرك بأنه مريض.

جينات ووراثة

هناك مجموعة من العوامل المسببة لـ”فصام الشخصية” والتي تختلف من شخص لآخر، فمن بين كل عشرة أشخاص مصابين هناك واحد يكون أحد والديه مصاب بالمرض, والكلام لـ يوسف الذي يلفت إلى أن دراسات التوائم تشير إلى تأثير الجينات حيث تكون النسبة عالية في إصابة التوأم الثاني عند إصابة الأول بالمرض وذلك في التوائم التي تنشأ من بويضة واحدة, وبالنسبة للتوائم غير المتطابقة والتي تنشأ من بويضتين فتكون نسبة إصابة الثاني أقل وذلك عند المقارنة بنسبة الإصابة في التوائم المتطابقة وتكون النسبة في الإخوة غير التوائم أقل منها في التوائم.

ويشير إلى أن المصاب بالمرض له حجم دماغ أقل من غير المصاب، ونقص حجم الدماغ يكون بشكل خاص في مراكز الدماغ والذاكرة والإدراك الحسي والتفكير والتركيز إضافة إلى نقص في كمية النسيج العصبي أو عدم اكتمال نمو النسيج للدماغ، منوها بأن حوالي ثلث حالات المرض تحدث في العائلة، وبالتالي فدور الوراثة في حدوث المرض موجود، كما أن الاستعداد الوراثي للإصابة بالمرض يمهد لحدوث المرض في حالة توفر عوامل معينة كالإصابة بالعدوى من أمراض فيروسية تؤدي لتغيير في كيميائية الدماغ، أو التعرض لحادثة أو صدمة نفسية أو جسدية عنيفة، والحرمان وسوء المعاملة في مرحلة الطفولة، إضافة لاستعمال المخدرات مثل عقار الهلوسة LSD و الامفيتامينات Amphetamine و الحشيش وكذلك الكحول، وبصورة عامة فإن كثير من المصابين قادرون على الاستقرار والعمل ولا يذهبون إلى المستشفى ولهم علاقات دائمة، ونسبة من هؤلاء يتحسنون تماما مع الوقت ونسبة أخرى تتحسن مع بقاء بعض الأعراض، والبعض يظل يعاني من أعرض مستمرة.

أقليات عرقية

وفي سياق حديثه عن الأعمار التي يكثر خطر إصابتها بـ”الفصام” يقول يوسف إن أكثر المصابين تتراوح أعمارهم بين 15 و 35 سنة، ومع ذلك من الممكن أن يبدأ في أي عمر، وفرصة إصابة الأطفال بالمرض تزيد بنسبة 8-18% إذا كان أحد الوالدين مصابا بالمرض مقارنة بالأطفال العاديين، وتزداد هذه النسبة إلى 15-50 % إذا كان كلا الوالدين مصابا بالمرض، وأشار إلى أن تبني هؤلاء الأطفال من قبل أبوين بالمرض لا تحمي الطفل من الإصابة به، وإصابة أحد التوأمين بالمرض يؤدي إلى احتمال إصابة التوأم الآخر بالمرض وبنسبة تتراوح ما بين 50-60%.

ولفت إلى أنه يصيب الذكور والإناث بنفس النسبة، حيث تصل الإصابة به إلى 1 بالمائة من سكان العالم, ويكون أكثر في المدن منه في المناطق الريفية كما يكون أكثر بين الأقليات العرقية.

 

علاج دائم

يتطلب فصام الشخصية علاجا لمدى الحياة حتى عند تراجع الأعراض، وفق ما ذكر الطبيب، الذي نوه إلى أنه في بعض الحالات، قد تكون هناك حاجة للتطبيب داخل مستشفى.

وأكد أن الأدوية أهم علاج للفُصام، إذ تعتبر الأدوية المضادة للذهان أكثر أدوية الوصفات الطبية شيوعا، لاعتقاد الأطباء بسيطرتها على الأعراض بالتأثير على الدوبامين وهو الناقل العصبي بالدماغ، ولتحقيق النتيجة المرجوة عبر الوقت يمكن استخدام أدوية، أو جرعات أو تركيبات مختلفة، إضافة لمضادات الاكتئاب والقلق.

وبين د. باسم يوسف أن أدوية الفُصام يمكن أن تسبب آثار جانبية خطيرة، ما يؤدي لتقاعس المصابين عن تناولها، ولكن يمكن للرغبة في التعاون مع العلاج أن تؤثر على اختيار الدواء. كأن يحتاج المريض الذي يقاوم تناول الدواء باستمرار، إلى الحصول على الحقن بدلاً من الأقراص.

ونوه بأنه عادة ما يكون الشخص المسؤول عن توجيه العلاج طبيبا نفسيا متمرسا في علاج فصام الشخصية، وقد يتكون الفريق العلاجي من اختصاصي علم نفس واختصاصي اجتماعي وممرض نفساني ومن المحتمل أن يضم مدير حالة لتنسيق الرعاية، وقد يتوفر نهج الفريق المتكامل في العيادات التي تحظى بخبرة في علاج فصام الشخصية.

التدخلات النفسية الاجتماعية “الدعم”

بمجرَّد أن يتراجع الذهان، إضافة إلى الاستمرار في تناوُل العلاج، تُصبح التدخُّلات النفسية والاجتماعية “الدعم” مهمة للغاية، حيث يُفيد العلاج النفسي في تطويع أنماط التفكير، كما يُمكن لمعرفة كيفية التكيُّف مع الضغط وإدراك المؤشِّرات المبكِّرة للتحذير من الانتكاس المساعدة في السيطرة على المرض، إضافة للتدرُّب على المهارات الاجتماعية التي تحسن القدرة على المشاركة في الأنشطة اليومية، فضلا عن تقديم الدعم والتوعية للأسر التي تتعامل مع مرض الفصام، ناهيك عن التأهيل المهني والدعم الوظيفي الذي يُركِّز على مساعدة المرضى في الحصول على الوظائف والاحتفاظ بها.

يختم الطبيب حديثه بأن العديد من المجتمعات لديها برامج لمساعدة مرضى الفصام في الوظائف، والسكن، ومجموعات المساعدة الذاتية، وحالات الأزمات، حيث يُمكن لمدير الحالة أو أحد أفراد فريق العلاج المساعدة في إيجاد الموارد، فيتمكَّن أغلب المصابون من التحكُّم في مرضهم مع أخذ العلاج المناسب، وقد تكون الإقامة في المستشفى ضرورية في فترات الأزمات، أو أوقات حدوث الأعراض الشديدة لضمان السلامة، والتغذية المناسبة، والنوم الكافي، والنظافة الشخصية الأساسية، أما بالنسبة إلى البالغين المصابين الذين لا يستجيبون للعلاج بالأدوية، فقد يُنظر في علاجهم بالصدمة الكهربائية (ECT).

 

البعث ميديا||ليندا تلي