مجتمع

إدمان المخدرات..آفة تستوجب دق ناقوس الخطر

“أغلق عينيك لقد ذهب الوحش، لقد هرب فأبوك هنا الآن”.

رحلة إنسانية عن أب وابن وإدمان، جسدها الفيلم الأمريكي Beautiful Boy 2018 “فتى ملاك”، المقتبس عن قصة حقيقية حيث الـ”ميث” هو بديل الروح لشاب من أسرة متوسطة هادئ متفوق دراسيا، حصل على القبول في أربع جامعات من المرة الأولى وهو ابن الـ18 عاما إلا أنه كان وحيدا عند التعاطي بدءا بالماريجوانا وانتهاء بكريستالات الميث.

يظن الأب بأن الإنقاذ سيأتي باستعادة الابن صارخا فيه “هذا ليس نحن”، فيجيبه الابن “لم استطع أن أجد مكاني.. أتمنى أن تلتئم جروحي”، هذه الكلمات تعبر عن زمن التيه، جيل ما بعد الصراعات الكبرى، حيث للحزن والاكتئاب طابع رومانسي ينعدم أي معنى للحياة.

حبذت البداية بهذه المقتطفات من الفيلم، درءا لإحراج الكثير ممن رفض عدم ذكر اسمه خوفا من نظرة المجتمع بعد تعافيه من التعاطي أو ممن غرق بسيل الإدمان متخذا من “اسحب سحبه و انسى همومك” عنوانا لتفريغ التوتر والقلق والضيق الذي فرضته الظروف الاستثنائية التي عصفت بالبلاد مؤخرا.

ولمّا كان إدمان المخدرات آفة تنخر في بنيان المجتمع كالسوس، استضافت “البعث ميديا” أهل الاختصاص للتعريف بهذه الظاهرة وأهم دوافع الإدمان، والآثار المترتبة عليها على صعيد الفرد والأسرة والمجتمع وسبل علاجها.

لا تعريف موحد

راضي حماد دكتور الدراسات التاريخية وعضو الجمعية السورية اللبنانية لمكافحة المخدرات يقول رغم أننا نعيش في عصر يتسم بالدقة في تحديد

مصطلحات العلوم وتعريفها إلا أنه لا يوجد تعريف موحد للمخدرات، فهو علميا عبارة عن مادة كيميائية تسبب النعاس والنوم أو غياب الوعي المصحوب بتسكين الألم، إضافة لكل ما يشوش العقل أو يثبطه أو يخدره ويغير في تفكير وشخصية الفرد، ويحظر تداولها أو زراعتها أو تصنيعها إلا لأغراض يحددها القانون ولا تستعمل إلا بواسطة من يرخص له بذلك.

وللمخدرات فوائد جليلة في الطب وفق حماد، ولكن إساءة استعمالها أدى لوجود تجارة عالمية بطرق غير مشروعة، ما خلق إشكالا كبيرا أدى لوجوب إيجاد رقابة صارمة تفرضها قوانين معظم البلاد وذلك على صناعتها وتخزينها ووصفها طبيا.

دوافع التعاطي

الأخصائية النفسية أمل قدور ذكرت الأسباب الكامنة وراء تعاطي المخدرات كـ ضعف الوازع الديني لدى المتعاطي، رفاق السوء، الاعتقاد بزيادة القدرة الجنسية، السفر إلى الخارج، الشعور بالفراغ، حب التقليد، السهر خارج المنزل، توفر المال بكثرة، الهموم والمشكلات الاجتماعية، انخفاض مستوى التعليم، القدوة السيئة من قبل الوالدين، إضافة لدور الجماعة التي تعوض الفرد عن مشاعر الحرمان العاطفي، افتقاد الشعور بالأمن، توفر مواد الإدمان عن طريق المهربين والمروجين، وجود بعض أماكن اللهو في بعض المجتمعات، العمالة الأجنبية، الانفتاح الاقتصادي، قلة الدور التي تلعبه وسائل الإعلام المختلفة، التساهل في استخدام العقاقير المخدرة وتركها دون رقابة، غياب رسالة المدرسة.

أنواعها

عرّج حماد على أنواع المخدرات كـ”المنشطات التي تتسبب بزيادة نشاط الدماغ، وفرط النشاط وزيادة معدل ضربات القلب، وذكر بأن بعض الأدوية المثبطة هي أدوية قانونية تصرف بوصفات طبية قد تسبب الإدمان في كثير من الأحيان كـ (الميثام فيتامين، الكوكايين)، ومن أنواع المخدرات أيضا المواد الأفيونية التي يمكن أن تسبب آثارا جانبية مثل (النعاس، الغثيان، الإمساك، تباطؤ النفس وأحيانا قد تؤدي إلى الوفاة في حال تعاطي جرعات زائدة مثل “هيروكودون وتراما دول”، وهناك أنواع أيضا كالمهلوسات التي تسبب تغيرات عميقة في تصور الشخص للواقع مثل “رؤية أشياء، سماع أصوات غير موجودة، بالإضافة لاختلاطات في المشاعر” مثل(الماريجوانا وهي الأوراق المجففة والزهور والسيقان والبذور من نبات القنب الهندي).

آثارها

لتعاطي المخدرات آثار وأضرار سلبية على مستوى الفرد وفق ما ذكرته قدور كإصابته بفقدان الشهية، اضطراب الجهاز الهضمي، تلف الكبد، التهاب المخ، تغيرات عضوية في الجهاز العصبي، الانعزالية وعدم القدرة على الإنتاج والابتكار، التفكك الأسري، النفور من المجتمع، وفي حال عدم قدرته على شراء الجرعة المخدرة يلجأ للإستدانة وقبول الرشوة، الاختلاس، السرقة، البغاء، ينفعل لأتفه الأسباب، سيطرة الفوضى على حياته، سوء التوافق والتواؤم الاجتماعي على سلوكياته وكل مجريات حياته الأمر الذي يؤدي به إلى الانتحار.

وعلى صعيد الأسرة تتجلى الأضرار وفق قدور بولادة الأم المدمنة لأطفال مشوهين، زيادة الإنفاق على التعاطي يقلل دخل الأسرة الفعلي ما يؤثر على نواحي الإنفاق الأخرى كـ تدني المستوى الصحي والتعليمي والغذائي والاجتماعي والتعليمي وبالتالي الأخلاقي لدى الأفراد ما يؤدي للانحراف.

لا تقتصر أضرار التعاطي هنا بل تؤثر في المجتمع عبر تعطيل القوى البشرية كتخصيص جزء كبير من الأفراد لمحاربة المخدرات من مدمنين وتجار ومهربين، إضافة لزيادة نفقات الدولة لعلاج وتأهيل ومكافحة الإدمان، ناهيك عن زعزعة الأمن في المجتمع.

خطوات العلاج

يبدأ العلاج حينما يقرر الشخص التوقف عن التعاطي ومن المهم أن يكون قراره نابعا من ذاته، وتضيف الأخصائية بأن بعض التشريعات الحديثة سمحت بمعالجة المدمن خارج المصحات كونه أكثر ملاءمة للمدمنين إذ يشعرهم بالثقة ما يحفزهم للحوار مع معالجيهم وطرح مشاكلهم، كما يتطلب علاج الإدمان رعاية طبية مكثفة كأن يعد المدمن مريضا وليس مجرما.

بعد تحسن المدمن وتماثله للشفاء يأتي دور العلاج النفسي الذي استعرضته الأخصائية عبر توفير فريق متكامل من أخصائيي الأمراض النفسية وباحثين اجتماعيين وممرضين نفسيين، إضافة لمرحلة التأهيل العلمي عبر تأهيل وتدريب المتعاطي من أجل استعادة عمله وعودته للدراسة إذا كان طالبا، تليها  مرحلة التأهيل الاجتماعي من خلال إعادة التعايش بين الفرد المدمن الذي تم معالجته وبين الأسرة والمجتمع، ومن ثم الوقاية من النكسات من خلال مراقبة المدمن المعالج لمدة معينة خوفا من العودة للإدمان.

في نهاية المطاف نضم صوتنا لأهل الاختصاص بضرورة التكاتف لمواجهة هذه الآفة عبر تعزيز دور الإعلام بالتوعية والمتابعة، والعمل على تحسين الواقع المعيشي  للمواطن، توفير فرص عمل للشباب، أنشطة للقضاء على أوقات الفراغ، وضع القوانين والتشريعات التي تشدد العقوبة على تجارها ومهربيها ومروجيها ومتعاطيها، بغية خلق جيل شاب واع قادر على مواكبة المجتمعات الأخرى ولاسيما أننا أبناء حضارات كانت مشاعل للمجتمعات ومنهلا لتطورها وتقدمها.

 

البعث ميديا|| ليندا تلي