أخبار البعثسلايد

مهاجرون أم مهجّرون أم لاجئون؟

د. عبد اللطيف عمران

كان من اللافت للانتباه انشغال المجتمع والدولة والميديا في سورية بمسألة الهجرة، وقد حظيت هذه المسألة بنقاش غير عابر في جلسات مجلس الشعب خاصة أثناء مناقشة بيان الحكومة الجديدة، ولا شك في أنها ظاهرة تستحق الاهتمام والمناقشة والتوضيح أيضاً بعيداً عن الاعتراف والإنكار.

والمسألة ظاهرة للعيان، لكنها في الأساس ليست طارئة على هذه المنطقة من العالم، وهي معروفة عند الآخرين على امتداد الزمان والمكان، ومدروسة بشكل جيّد في الاقتصاد وعلم الاجتماع، وفي السياسة والمنظمات الدولية أيضاً، ما يجعل عبث السوشيال ميديا بها غير ذي جدوى ولا فائدة بل عرضة لزيادة الطين بلّة.

وإذا كانت الحرب على سورية أنموذجاً مناسباً ومهمّاً، لبحث هذه المسألة، فإن من الضروري التأكيد على تقصير المجتمع الدولي والقانون الدولي ومنظمات الأمم المتحدة تحديداً في معالجتها دون تسييس، ولا سيما أن المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR أكدت أن: (نماذج تنقّل البشر قد صارت متزايدة التعقيد خلال الأعوام الأخيرة) وبذلت جهوداً نظرية للتفريق بين الهجرة واللجوء، ودعت إلى عدم الخلط بينهما، وحذّرت من تحوّل اللاجىء إلى مهاجر، والمهاجر إلى لاجىء، مفيدةً من (اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بالفارق المهم بين اللاجئين والمهاجرين)، ومؤكّدةً عدم اعتبار نفسها منظمة معنية بالهجرة.

لكن الأهم في هذا السياق أن هذه المفوضية، وكثير معها من منظمات الأمم المتحدة لم يتطرّق بشكلٍ واضحٍ وكافٍ إلى أثر الاستثمار في الإرهاب الجوّال والعابر للحدود والمرعي مادياً ومعنوياً بالمال وبالسلاح وبالإيديولوجية في: الهجرة، والتهجير، واللجوء. وذلك لأسباب سياسية محضة بعيداً عن الاقتصاد والأوضاع المعيشية، مع التغافل المدروس والمسيّس لكون ثلاثية الهجرة والتهجير واللجوء الطارئة (في الأعوام الأخيرة) التي أشارت إليها المفوضيّة الساميّة ليست لأسباب داخلية بقدر ما هي لأسباب خارجية -الهيمنة والتآمر- بالدرجة الأولى، وآية ذلك ما يحدث في سورية.

فليست هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها في سورية الطبيعية والعراق هجرة وتهجير، فمع الاحتلالات والاعتداءات والاستيطان العثماني القديم والجديد ، والصهيوني، والأمريكي في هاتين المنطقتين من العالم حدثت موجات عديدة من الهجرة والتهجير في العراق وسورية ولبنان وفلسطين، ما يستحق الدراسة والتوضيح والتفصيل أيضاً. ويكفي دراسة أسباب هجرات السوريين بالملايين إلى أصقاع العالم أيام الاحتلال العثماني في القرن التاسع عشر ومطلع العشرين -السفربرلك-، وكذلك الأمر لأكثر إيلاماً مع العثمانية الجديدة في مطلع هذا القرن…. هذا جميعه لم يكن لأسباب داخلية، وهو تهجير من الخارج وليس هجرة طوعية من الداخل، لأن (المهاجر: هو شخص يغادر وطنه طواعية)، وهذه الأوطان غنيّة حضارياً واقتصادياً وبشرياً، وأهلوها تاريخياً وطنيون وعروبيون، ويبدو أن المشكلة تكمن هنا.

ومن المؤسف أن منظمات المجتمع الدولي تجاهلت عمداً تسهيل ودعم عدد غير قليل من الدول لعبور (هجرة أم تهجير) مئات آلاف الإرهابيين بسرعة من أربع جهات الأرض إلى سورية، ومعهم إيديولوجية تكاد تكون واحدة على الرغم من أنهم عصابات متباينة في الأصل، إنها الإيديولوجية المنبثقة عما يحيط بتطور الوهابية، والإخوان المسلمين، وجماعة التكفير والهجرة التي ترفع شعار التكفير أولاً ثم الهجرة إلى زمن آخر قبل المكان الآخر. وهذا التدفق السريع للعصابات واكبه فوراً إعداد مخيمات اللجوء للمهجّرين وليس للمهاجرين من منطقة حضارية وغنية مادياً ومعنوياً. فهل تدفّق العصابات الإرهابية المسلّحة هجرة أم تهجير أم لجوء؟!!

إذن ليست المسألة مسألة نظام سياسي على المستوى الداخلي، بل مسألة نظام سياسي على المستوى الخارجي يلعب بها التحالف الصهيوأطلسي الرجعي العربي والعثماني أقذر الأدوار التي وقع في شركها مرتزقة ومأجورون ومعارضة وأنصاف معارضة وأشباههما من طبقة رمادية ومن تجّار حروب إضافة إلى ما اقترن بذلك من حصار وعقوبات كان أثرها المعنوي والإداري والاجتماعي على المجتمع والدولة أخطر من أثرها المادي فنشط معها وجرّاءها الخلل الإداري وما ينتج عنه من أمراض وسولوكيات ما قبل وطنية وما قبل مؤسساتية وصولاً إلى الفساد الذي لم ينكر آثاره أحد،

وبهذا تحوّلت سورية من بلد لجوء إلى بلد هجرة، بل تهجير، وباتت الهجرة هذه الأيام معركة افتراضية على صفحات السوشيال ميديا حيث تسريب أخبار كاذبة، وأرقام مزوّرة تنعي الاقتصاد السوري وتحرّض الشباب على مغادرة البلاد لزرع الخوف وتعميم الإحباط والروح السلبية. بينما الهدف في العمق هو محاولة انتزاع أي قابلية وأي قدرة أو إرادة لتعزيز روح التحدي والصمود والمقاومة لدى الأجيال الجديدة ودفعها لمغادرة أوطانها باستسلام كامل لتكون لقمة سائغة للأعداء التاريخيين.

في الأيام الأخيرة تزايدت الأصوات التي تعي هذه الحقائق، وكذلك تزايدت الوقائع والقرائن التي تؤكد أن سورية لا بد أن تتعافى وتعود إلى ما كانت عليه، وبوعينا وأصالتنا ووطنيتنا وعروبتنا وصمودنا تحت راية القائد الأسد سنعود لنكون أفضل.