ثقافة وفن

رفعت بدران…. الكرامة الأدبية جزء من الكرامة الشخصية

البعث ميديا || ليندا تلي

أشكو إليكَ أسى بلاديَ والجوى
أشكو إليكَ مواجعاً … تتوجّعُ
وأنا كعودٍ أخضرٍ ….. في موقدٍ
طرفٌ بِهِ نارٌ …… وآخرُ يدمعُ
يعتبر الشعر موسيقا روح الإنسان، وترجمة لكل مكنونات النفس البشرية العصية على البوح.
يحبذ أن يرى الأشياء كأنه يراها للمرة الأولى، يرى كل شيء حوله أجمل، يبحث عن الدهشة، إنه الشاعر رفعت بدران الذي يرى أن أي عمل في المسرح أو الرواية أو القصة أو السينما لا يكون فيه ملامح شاعرية لم يكتب له البقاء ولن يتلقاه الناس بلهفة أو بمحبة أو بمودة.

قصة البدايات

يقول بدران: بدأت في سن مبكرة في الخامسة عشر من عمري بكتابة بعض القصائد القصيرة عن الحب والجمال، متأثرا بشكل طبيعي ممن قرأت لهم من الشعراء، وكذلك القراءة بدأت بها بسن مبكر جدا قياسا بأقراني، إذ غالبا ما كان أمين المكتبة يقول لي عندما أذهب لأستعير الكتب هذه الكتب كبيرة عليك، و كان لأختي الكبيرة دورا كبيرا في حثي على القراءة المبكرة في سن الثامنة باعتبارها تحب القراءة.
ففي السادسة عشر من عمري كنت قد قرأت معظم الشعر الجاهلي وما أتيح لي من المعلقات والأعمال الكاملة لنزار قباني ومحمود درويش وسميح القاسم وبدر شاكر السياب، فقد كان الشعر هاجسي الأول.

المؤلفات وأثر الأزمة الراهنة

حاول بدران أن يكون له طريق مختلف عن الآخرين بمعنى أن يكون له أسلوب وطريق مختلف، وأن يخرج من أثر أي شاعر كبير قد تأثر به، فكتب قصيدة التفعيلة وقصيدة العامودية، ويعتبر نفسه شاعر تفعيلة بالدرجة الأولى.
ويقول بدران: بعد أن تجمع لدي عدد كبير من القصائد وشاركت بأمسيات وندوات ومسابقات ونلت بعض الجوائز ونشرت في دوريات محلية وعربية، شجعني الكثير من الأصدقاء على ضرورة إصدار مجموعة شعرية، انتابني الخوف والتردد والقلق حتى تقدمت لوزارة الثقافة عام 2001 بمجموعة شعرية، بقيت بلا عنوان بعد بحث دام أربعة أشهر دون أن أقتنع بعنوان فجعلتها هكذا بلا عنوان “قصائد”، كانت كلها قصائد تفعيله، حيث جمعت كل مجموعة من القصائد تحت عنوان فرعي من إحدى القصائد.
أما مجموعتي الثانية كانت جاهزة للطبع عام 2010 ولكن قررت التريث بسبب الأحداث المؤلمة التي عصفت بالبلاد، حينها انتابني الخجل والدماء تسيل في البلاد فأي كلام يقال أمام هذه الدماء، وهكذا مضت سنين حتى عام 2018 وبعد ضغط المحبين والأصدقاء والمتذوقين لكتاباتي تقدمت بالمجموعة للهيئة العامة للكتاب وصدرت تحت عنوان “ماذا لو ابتعد البعيد” حاولت أن اختلف قليلا عن مجموعتي الأولى وظهر أثر قراءاتي كوني توسعت في قراءات الشعر الأوروبي والانكليزي بالدرجة الأولى.
وبعد عامين تقدمت إلى اتحاد الكتاب العرب في سورية ونلت شرف العضوية عام 2020 ثم تقدمت بنفس العام للهيئة وأصدرت مجموعه شعرية ثالثة بعنوان “أسرجت خيول الحلم” كان فيها تطور ما عن المجموعتين السابقتين من ناحية الشكل والمضمون، كانت نتيجة قراءات فلسفية وتاريخية عميقة خلال العشر سنوات من بعد إنهائي لمجموعتي الشعرية الثانية والأحداث العاصفة والمؤلمة والتي مازالت آثارها تتفاقم مع كل أسف في بلادنا، كما حاولت أن أحلم بغد أفضل لأبنائنا ووطننا وثقافتنا علها تنمو وتتطور وتواكب ما يحدث في العالم.

هل ما يزال للشعر جمهوره ومتذوقيه؟

الشعر الجميل ما يزال له جمهوره وهناك من يحب أن يقرأ ويحفظ الشعر الجميل مع كل الواقع المؤلم خاصة في منطقتنا وانصراف الناس عن القراءة بسبب أننا نعيش في هذه المنطقة صراع على البقاء وليس على الحياة بمعنى الحياة بما فيها من تأمل وتذوق وإحساس بكل شيء رغم ذلك الناس يبحثون عن الشعر ويبحثون عن الشعر القيم والجيد وليس الشعر الرديء، فالشعر هو وجدان كل الشعوب حفظ مآثرنا وحياتنا وتاريخنا وحروبنا وحضارتنا وايضا عند الغرب للشعر القيمة الأسمى في قلوب الناس..

كيف أثر النشر على وسائل التواصل على انتشار الشعر سواء المطبوع أو الإلكتروني ومدى وحجم الإنقرائية للشعر؟
كل عصر له أدواته ووسائله والآن مواقع التواصل الاجتماعي لها دور بالتأكيد في انتشار شعراء اليوم وشعراء قبل كأرشفة لتاريخ الشعر لدينا ولدى غيرنا، أما أن مواقع التواصل سمحت لأي كان أن يكتب ويعبر عن نفسه صحيح هذا الكلام ولكن المسألة ليست بحاجه للتشاؤم والنظرة العدائية بعض الشيء إلى ما نراه في وسائل التواصل، فالزمن هو أعدل الحاكمين، فكم من الشعراء الذين كتبوا لم يبقى في أذهان الأجيال وفي كتب التاريخ الأدبي لم يبق إلا الشعراء الأصلاء الذين لامست أشعارهم قلوب الناس وحياة الناس، فالشعر الجيد سيبقى رغم أنوف أي جهة تحاول أن تمنعه أن تبعده عن الناس.
قد نقول إن فلان شاعر جيد لكن ليس له جمهور ولا أحد يعرفه، الشاعر عندما يكتب يجب ألا يفكر في نفسه وبنرجسيته وبالشهرة، فالشاعر الحقيقي هو الذي يكتب من أجل الشعر فقط، من أجل الحب فقط، من أجل الجمال فقط، هذا الشاعر الذي يلتزم مع نفسه ومع فكره وأدبه أي شيء يكتبه له قيمه سوف يظهر في يوم من الأيام، أما الراكضون وراء المهرجانات ووراء الجوائز ووراء الظهور هذه شهرة مجانية لن تدوم طويلا ولن تبني ثقافة حقيقية.

ما هي أعمالك الجديدة؟

حاليا لدي تحت الطبع مجموعة شعرية رابعة لم أجد لها عنوانا وهي استمرارية للمجموعة الثالثة وأحاول أن ابحث عن شيء جديد يختلف عما كتبته سابقا وقد أصدرها في نهاية العام القادم.
كما كتبت رواية قصيرة عنوانها “صوت من البحر” تحدثت فيها عن تجربة حدثت لعمي الذي استشهد في القوى البحرية في حرب تشرين 1973 بموقف بطولي جدا شأنه شأن جميع من شارك في هذه الحرب من جنودنا وضباطنا، الرواية تتحدث عن عمي الثاني الذي حدثت معه قصة فيها شيء من المفارقات الصادمة والمؤلمة حيث ذهب للقاء أخيه وكان مسافرا فقيل له أنه ذهب في دورية في البحر فناداه من بعيد فقال له أنا عائد يا أخي انتظرني، في اليوم التالي استشهد ولم يعد.

هل ترى أنك أخذت حقك كشاعر؟

اكتب لأرضي ذاتي وشعوري وإحساسي، فعلى كل انسان لديه موهبة في الشعر أو غيره أن يكتب ويعبر عما لديه، والزمن هو أعدل الحاكمين لكي يكون هذا الشيء له قيمة أم هو شيء عابر، لا أفكر بريع أو شهرة، وحين أدعى إلى أماسي أو ندوات ألبي عندما أرى الوضع مناسبا، أما التطفل هنا وهناك من أجل المشاركة في مهرجان داخلي أو خارجي أربأ بنفسي عن هذا الشيء، فالكرامة الأدبية عند الشاعر هي جزء من الكرامة الشخصية.
وينوه بأن الكثير من الشعراء ظلموا في حياتهم وكرموا بعد مماتهم بعقود أو عقود ولكن هذه هي طبيعة الحياة فالجمال لن يستطيع أحد إخفاءه ولابد أن يظهر يوما ما، وكرمت في عام 2014 عن قصيدة بعنوان “داليّة من أجل العراق” وحصلت على جائزة عمر أبو ريشة للشعر، وكنت قبلها قد تقدمت لاتحاد الكتاب أكثر من مرة ومسابقات اتحاد الكتاب وكنت أنال في معظم الأحيان جوائز فرعية على مستوى فرع الكتاب العرب في السويداء لتشجيع غير الأعضاء وكان ذلك في أوائل العشرينات.

بمن تأثرت من الشعراء؟

تأثرت في البدايات كغيري بمحمود درويش وأدونيس وسميح القاسم والسياب والماغوط، ولكن حاولت الخروج من هذا التأثير مبكرا وأظن أني نجحت إلى حدا ما، ثم بدأت قراءة الشعر الغربي والأوروبي بشكل خاص شعر اليابان والصين وأشعار وامريكا اللاتينية، ولكن شعرت بقرب شديد للشعراء الإنكليز وخاصة الشعراء الرومانسيون ممن أسموهم شعراء البحيرات في القرن السابع عشر والثامن عشر.

نسمع كثيرا بأن الشاعر الفلاني كل سنة يصدر مجموعة والشاعر الفلاني رغم صغر سنه لديه عشر مجموعات.. أين أنت من هؤلاء؟
أنا لا أستطيع أن أفكر من خلال هذا المنظار، إذ يجب على الشاعر أن يتريث عندما يكتب والتريث عندما ينشر، فالكلمة عندما تخرج من كاتبها تصبح مسؤولية سواء كتبت في دورية أو كتابة إلكترونية أو صحيفة، على كل شخص يقول عن نفسه إنه يكتب أن يفكر كثيرا قبل أن يكتب ويفكر كثيرا في أن ينشر أو لا.
تأتيني كثيرا من الأفكار تأتي وتذهب ولا تبقى إلا الفكرة الجميلة، هنا أذكر حادثة لها وقع جميل، عندما ذهبت في عام 1979 لبيت جدي في قريتي “الكفر” وكان شتاء كانونيا قاسيا رأيت موقد الحطب الذي كنت أراه للمرة الأولى في حياتي، كانت فيه أعواد تشتعل من طرف ومن الطرف الآخر تتشكل فقاعات من الزبد الماء لونها أصفر، تتجمع هذه الفقاعات ثم تصبح نقطة ماء وتسيل  كدمعة انسان إما على حديد الموقد أو على الجمر المشتعل في الموقد وتصدر صوتا خفيفا، فسألتُ جدتي ما السبب؟فقالت لأن هذه الأعواد بها بقية إخضرار، أي ليست حطبا يابسا، هذه الصورة ظهرت فجأة خلال محاورتي الشعرية مع أحد الاصدقاء على الانترنت سنة 2015  فكتبت له عن العود الأخضر الذي يشتعل من طرف ويدمع من طرف..وأنا كعود أخضر في موقد طرف به نار وآخر يدمع.

هل بالضرورة أن يكون الشاعر مثقف؟

عندما يقرأ لي شخص جديد أو يراسلني عبر منصات التواصل الاجتماعي قائلا أنت مثقف، قد أشكر من يبادرني بهذا الكلام ولا اعتبره مديحا، كيف للشعر أن يكون بلا ثقافة، هل هناك فضل لي أو لغيري من الشعراء إذا ظهرت ملامح ثقافته في شعره، كيف يكون الشاعر بدون ثقافة؟ الموضوع ليس استعراضا ونرجسية، فالمثقف الحقيقي لا يستعرض ابدا، فكثيرا ما أشعر بالانزعاج كيف ينظر الناس إلى أن هناك شاعر مثقف وشاعر غير مثقف؟ فالشاعر هو مثقف بطبيعة الحال ولا يمكن أن يكون إلا مثقف، فالشعر والثقافة لا يمكن فصلهما فكل شاعر حقيقي هو ثقافة حقيقية ولا يمكن أن يكون غير ذلك.

ما هي أمنياتك المستقبلية؟

أتمنى أن تمضي هذه البلاد في طور بناء ذاتها والخروج من مستنقع العلاقات المتخلفة والتقاليد الباليه والنظر إلى ما في الحياة من جمال وليس البحث عن القبح والحقد.
ولدي أمنية شخصية بسيطة بعد عدة سنوات أن أترك المحاماة بعد أن انتابني شعور بأن المحاماة تستهلك وتستنزف بعضا من الاهتمام بالقضايا الأدبية والثقافية العامة وأعمل لتأسيس دار نشر صغيرة وأشرف عليها بنفسي لا أسمح بنشر إلا ماله قيمة وماله فائدة ويأتي بالجديد للثقافة، أي أبحث عن الجدية في الثقافة بعيدا عن الثقافة المؤدلجة والاستهلاكية.