ثقافة وفن

ربا الجمال.. لحن من مقام الصبا والوجد

 

فراشة حلبية طارت إلى فرنسا وبعدها إلى لندن من أجل دراسة الطب والاختصاص في طب الأطفال، لكنه القدر الذي لن يسمح بأن يمرّ صوت كصوتها في الحياة دون أن تدونه الأسماع وتحفظه الذاكرة، لتتعرف صدفة على مدير الأوبرا في لندن، الذي أعجب بشدة بصوتها الـ (سوبرانو) وطلب منها أن تشارك في مهرجان (ماريا كالاس) الذي كان فيه 30 متشاركة من عدة دول أوروبية وأجنبية، فنجحت فيه وأخذت المرتبة الأولى، وأخذت لقب أعلى صوت نسائي في العالم، ومن الألقاب التي حصلت عليها في المهرجان: (سيدة الأناقة والرقي)، (أفضل قرار سوبرانو).

المطربة السورية الراحلة الجميلة “ربا الجمال”-1966- 2005، تمر اليوم ذكرى رحيلها الـ17، بعد أن باغتها المرض وهي على خشبة المسرح، تقدّم وصلتها الفنية لمحبيها الذين اكتظت بهم القاعة، وهي مناسبة لتذكرها وسط هذا الخراب الفني الموجود في الساحة العربية، وإلقاء السلام على روحها وعلى فنها الجميل، ذاك الفن الذي قدمته من شغاف قلبها، فصارت به من أهم الفنانات السوريات والعرب، وصار بها أكثر لطفاً وأنساً.

بداياتها الاحترافية كانت في الثمانينيات من القرن المنصرم، بعد أن تبنّى موهبتها الموسيقار الفلسطيني رياض البندك، ولحّن لها العديد من الأغنيات، ثم قل نشاطها الفني كثيراً إلى أن انطلقت الانطلاقة القوية عند زيارتها للقاهرة، حيث شاركت في حفل المؤتمر الرابع للموسيقا العربية عام 1995 والذي أقيم في دار الاوبرا المصرية مع الفرقة القومية للموسيقا العربية بقيادة المايسترو سليم سحاب، وغنّت فيه العديد من الأغاني الطربية كان منها: (أنت عمري- افرح يا قلبي- عودت عيني- يا ليلة العيد- ح قابلو بكرة)، أغان أدتها ربا الجمال بصوتها البديع فأذهلت جميع الحاضرين بأدائها لها، وظلوا واقفين يصفقون لها لمدة ربع ساعة، وتم منحها كتاب شكر وتقدير من المؤتمر، وقال عنها الناقد الموسيقي صميم الشريف بالحرف الواحد: إنها (صوت خارق لم يَسمع مثيلاً له منذ خمسين سنة)، وأعلن الموسيقار محمد سلطان أنها ” إذا قبلت أن تبقى في القاهرة لعام واحد فسيجعل منها أهم مطربة في عصرها”.

قام بتلحين أغانيها مجموعة من الملحنين منهم: (سهيل عرفة، سعيد قطب، ماجد زين العابدين، فاروق الشرنوبي، نجيب السراج، صفوان بهلوان، أحمد السنباطي، رياض البندك، وديع الصافي، أمير مجيد، عماد توفيق).

غنت قصيدة (لماذا تخليت عني) شعر نزار قباني، وتلحين سعيد قطب، وقصيدة (لن أعود) من تلحين نجيب السراج، لها ألبوم واحد بعنوان: “صعبها بتصعب”، وهو الألبوم الوحيد الذي ضم أعمالها الخاصة منها: (فاكر ولا ناسي)، (صعبها بتصعب هونها بتهون)، أما باقي تسجيلاتها وحفلاتها فمعظمها عبارة عن حفلات طربية تألقت فيها بإعادة غناء مجموعة من أغاني أم كلثوم وأسمهان.

تمتعت الجمال بصوت بري الطبيعة، قوي، متدفق، جعلها تؤدي أصعب المقامات الموسيقية بسلاسة، بعد أن اشتغلت على تمرينه الدائم، حتى صارت قادرة على التحكم به بمهارة عالية، تقول أجمل “العُرب” الصوتية ومن مختلف المقامات الموسيقية، مؤدية أهم أغاني الطرب الشرقي، بأداء خاص فيها، جعل الجمهور يستمع إلى تلك الأغاني الكلاسيكية، وكأنه يستمع إليها للمرة الأولى، وهنا تأتي أهمية صوت ربا الجمال وموهبتها، في كونها لم تقلد غيرها، بل اجترحت أسلوباً فريداً ومختلفاً في الأداء، جعلها في مصاف كبار مطربات العالم العربي.

تمّام بركات