ثقافة وفن

الدراما المحلية والأدب

إن كان من خلل واضح، ظهر في الدراما المحلية، بما لا يدع مجالا للشك فيه، وبكونه من أهم أسباب تدني مستواها، فهو “الورق” الذي كان في موسم 2022 هو المسلسل الأكثر متابعة بين بقية المسلسلات-معارك عابرة للحدود بين الكّتاب بعضهم البعض، وبين الكتّاب والمخرجين، وبين الكتّاب وشركات الإنتاج-حتى بدا الأمر وكأن الدراما السورية العريقة، متخبطة، عشوائية، محكومة بمنطق تجاري بحت، لا يعترف بقوة الإبداع في التسويق، غارقة حتى تترات أعمالها بالخصومات، يأكل “مبدعيها” لحم بعضهم البعض في السر والعلن!

وفي حال تأملنا حال النصوص التي تُنتج كمسلسلات في العقد الأخير بشكل خاص، فسنجد غيابا مريبا للأدب عنها، الأدب الذي كان نواة للعديد من الأعمال الدرامية المهمة، والتي صنعت ما صنعت، من سمعة طيبة لدرامانا التلفزيونية، ومنذ بداياتها، وبمختلف أنواعها، فها هو الأديب الراحل عبد العزيز هلال، يضع سيناريو وحوار لرواية “الله والفقر” للروائي صدقي إسماعيل، ليخرجه كمسلسل تلفزيوني، حمل اسم “أسعد الوراق” المخرج الراحل علاء الدين كوكش، الذي قام أيضا بإعداد وإخراج، “حكايا الليل و النهار” عن أفكار الكاتب الراحل محمد الماغوط، ومن ينسى مسلسل “نهاية رجل شجاع” العمل الدرامي البديع، المأخوذ عن رواية للروائي الكبير حنا مينه، وحمل اسم “نجدت آنزور” في الإخراج، بعد أن كتب الأديب حسن م يوسف السيناريو والحوار، ورواية “دمشق يا بسمة الحزن” ألفة الأدلبي، وغيرها.

الأدب العالمي كان أيضا حاضرا في الفرجة التي قدمتها الدراما المحلية، ليصار إلى تحويل العديد من أهم الأعمال الأدبية العالمية، إلى مسلسلات تلفزيونية بديعة، منها: “حمام الهنا” المأخوذ بقلم الفنان الراحل نهاد قلعي، وإخراج فيصل الياسري، عن رواية “الكراسي الاثنا عشر” للكاتبين السوفيتيين إيلف وبتروف، “جريمة في الذاكرة” المأخوذ عن رواية “الجريمة النائمة” أغاثا كريستي، “جواد الليل عن “أحدب نوتردام”، “ليل المسافرين” عن “البؤساء”، الأرواح المهاجرة” عن “بيت الأرواح”، وغيرها.

الانتقادات التي تم تصويبها للاقتباس الدرامي عن الأدب، صبت معظمها فيما تم اعتباره إفلاسا فكريا لكتّاب النصوص التلفزيونية، وهذا الانتقاد لا يراعي الجهد الإبداعي الكبير، اللازم لتحويل عمل أدبي –مسرح-قصة-رواية-إلى مسلسل تلفزيوني، خصوصا بما يتعلق بتوطين الحكاية، أي جعلها مناسبة للجمهور، خصوصا ونحن نشاهد اليوم، تقليدا حرفيا لأعمال رديئة، كدراما الغراميات المتهالكة، والأيديولوجيات البائدة، التي تتحفنا بها الدراما التركية مثلا، أو ما يعرف بـ “دراما البيئة” بنسخها الرديئة، وهنا نحن لا ننفي أن الاقتباس للتلفزيون أيضا جاء وفق عدة مستويات، بعضها مميز، وبعضها رديء، لكن هذا لا يعني تحييد هذا الخيار نهائيا، ومتى؟ في الوقت الذي نعاني فيه، من مشكلة عويصة وبعدة اتجاهات بما يتعلق بالنص التلفزيوني.

هذا الخيار الذي يضع أجود ما قدمه الأدب سواء المحلي أو العالمي، في خدمة الدراما التلفزيونية، لا يعني أن يكون هو الخيار الوحيد، فلدينا كتّاب ترفع لهم القبعة، وننتظر دائما أعمالهم، لكنه من الخيارات التي يجب أن تأخذها الشركات المنتجة بحسبانها، خصوصا وأنها أثبتت فاعليتها في مراحل سابقة.

تمّام بركات