ثقافة وفن

حروفية

 

توجه جورج برنارد شو إلى إحدى المكتبات التي تبيع كتباً مستعملة بثمن بخس، فوقع نظره على كتاب يحوي بعض مسرحياته القديمة، ولما فتحه، رأى إهداءه لصديقه الحميم الذي كتب له وقتئذ:” إلى من قدَّر الكلمة الحرّة حق قدرها، إلى الصديق العزيز……. مع أحر تحيات برنار شو”.

اشترى برنارد شو النسخة من البائع وكتب تحت الإهداء الأول: “جورج برنارد شو يجدد تحياته الحارة إلى الصديق العزيز الذي قدَّر الكلمة حق قدرها”. وأرسل النسخة بالبريد المضمون إلى صديقه مرة أخرى.

إذاً هي الكلمة، صوت وصدى، عمق ودلالات. ولكننا، نطرح سؤالاً في جدوى معانيها بعيداً عن التلاعب اللفظي.

وبرغم علو كعبها وتأثيرها، بحسب رأي بعضهم، تبقى مسألة توصيلها في رسم ملامح الواقع قاب قوسين أو أدنى.

فمنهم من يرفض حتى أطيافها، ومنهم من جعلها بلا بريق، وآخر آمن بوقعها الشديد، وبعضهم تحدثوا في أبعادها الفنية والجمالية وخلق مفردات لونية متجانسة في فضاء لا نهـائي، وذلك في إشارة إلى خصوصية الطرح.

ولكن الحديث في تأثيرها يأخذ شكلاً بتلاوين متعددة السطوح ومن زوايا مختلفة. وربما تأخذ لوناً آخر في تجسيد الحالات المراد إيصالها عبر الحروفية وامتدادها الانسيابي على مساحة من الاشتغال البصري في واحة بنية النص الفني.

والكلمة في الفن، تأخذ بعداً يحلّق خارج أسوار النمطيّة، لتحطّ على ناصية الحداثة المتوالدة من المشاهدات والرؤى والأهداف المبتغاة في إيصال الممكن.

كلمات مرسومة، تأتي في مقولة الانفتاح على جميع الاتجاهات التعبيرية وخلق حالة من تمازج الألوان مع أفكار مشتهاة في مدارات التشكيل الحداثوي.

كلمات مرسومة، تجسيد آخر لمفردات واقعية بعبثية واضحة إنْ صحّت التسمية، تأتي في سياق الاندماج والتداخلات المستعارة بذكاء في محاولة الوقوف مطولاً أمام انفتاح المخيُّلة على مساحتي التفكير والبصيرة.

كلمات مرسومة، تأتي معبّرة عن حالات حافلة بالخصوصية التشكيلية، ومرهونة بعمق الرؤية وخصوصيتها، في انعكاس واضح لقدرة الفنان على التنويع وإظهار الأنا (الذات) بكل تجلياتها، وهذا سبب في التفرد المنشود والسابح في بحور السؤال.

إذن، كثيرة هي الكلمات المرسومة في الفن عموماً، وفي الكاريكاتور خصوصاً، وجلّها تحاكي الواقع وتستحضره في انسياب حروفها ممزوجة بروح الفنان.

ورحم الله من قال: إنك تسمع الحرف قبل أن ترى صدى الكلمة.

وللحديث بقية…

رائد خليل