ثقافة وفن

“أشرعة الهمس” في بحور العفيدلي

 بأكثر من ثلاثين قصيدة ضمها ديوان الشاعر الفراتي عبد الكريم العفيدلي، قدم نفسه للمتلقي من بوابة الشعر الفصيح في ديوانه الثاني (أشرعة الهمس )، بعد النجاح والحضور المتميز لقصيدته النبطية من خلال مئات الأمسيات الشعرية التي تنقل فيها العفيدلي، حاملاً لواء قصيدة النبط في حله وترحاله، ليكون الختام مع بداية العام عندما أصدر ديوانه الأول (مصور بالعشا) جامعاً فيه أبرز ذكرياته والأحداث التي تزامنت مع ما مرت به البلاد من حرب ظالمة طالت الحجر والبشر.

في ديوانه الثاني والفصيح (أشرعة الهمس) بصمة إبداعية لافتة، هيأت له القصيدة النبطية انتشاراً جماهيرياً واسعاً، لذلك يبدو الحديث عن شعره الفصيح تمريناً شاقاً على الاختزال والاكتفاء ببعض الإيماءات.

فيشعر القارئ بثقل الشجن ولذعة الأسى وجمرة الشوق التي أحرقت أشرعة أحزانه وأبقت مراكب شعره على ضفاف (رقاه)، كما قال في تقديم ديوانه الشاعر والإعلامي الكبير جمال الجيش، إذ قال: ( عبد الكريم العفيدلي شاعر شاب ينتصب بكامل بهائه، كيف لا و هو الذي لم يهن ولم يضعف ولم يغادر (رقاه) الحبيبة، وأجده الآن و أنا أقلب أشرعة همسه يتصدرهم برقته وشموخه وعمق انتمائه أيضاً..).

يقول العفيدلي في قصيدة (جارة النهر):

(يا جارة النهر هل تدرين أوجاعي

هل تسمعين صريراً تحت أضلاعي

أضحى الشتات عميقاً لا يغادرني

وقد نسجت على المنوال إبداعي

رسائل الحب طالت وهي باردة

وطابع الشوق لم يلق له ساعي)..

وفي قصيدة ثانية من الديوان يخاطب (بنت عباس) الرقة، ويذكرها بدورها الريادي في نطاق الشعر لقبيلة من الشعراء عندما كانت ومازالت قبلة لهم ينهلون من فراتها أعذب المعاني بلغة الماء.. ويذكر الأهل والأحباب بالماضي القريب..

(يا قبلة الشعراء جئتك شاعراً

والشعر ملء جوارحي دفاقُ

هو كالفرات سلاسة وعذوبة

يشفي العليل كأنه الترياق

يا رقة العظماء أين كماتك ِ

أين الصوائف؟ والخيول عتاقُ)..

والكثير من المواضيع التي حفل بها الديوان، فرفع العفيدلي أشرعة (المشاعر) ونصب أعمدة الأبيات على منصة القصائد، في (الشاطئ والعاطفة) على أسوار القوافي، وكتب مواثيق (الفقد) في (إبحار) الذهول والعشق.

بدءاً من الغلاف، الذي تربع رسمه مقاسماً الشمس والسنبلة في لوحة اتخذت من البياض قاعدة لحضور تقاسيم عربية، بقي العفيدلي محافظاً على ملامح لبسه ونظرته الصقر، من خلال شخصية واسعة الاطلاع هادئة الطباع.

 

علي الدندح