مجتمع

عن سالم والكيس والحقيبة

كيس بلاستيك، لون أزرق، شفاف، ويوجد لون آخر غير معروف بين الألوان، هذا الكيس بدأ بالظهور على أكتاف طلاب المدارس، منذ عام ٢٠١٣، وإن كان بنسب متفاوتة، راحت تزيد وترتفع مع مضي كل سنة، من سنين الحرب حتى الآن.
سالم كان من الطلاب الذين حملوه عوض الحقيبة، ما من خيارات مطروحة أمامه، فلنقود بالكاد تكفى للطعام ودفع إيجار الغرفة التي يقطنها وأمه و٣ أخوة أصغر منه، وعندما اعترض على الحل الذي جاءت به والدته لموضوع الحقيبة، قوبل اعتراضه بحزم، “اسمع، هذا ما أستطيع فعله، فإن كنت غير راض عن الكيس، ووجدت أنه سيعيق أن تتعلم، فأنسى امر المدرسة، وتدبر عملا تعينني فيه”
سالم كان يخجل منه بداية، ويحاول أن يخفيه تحت ثيابه، ثم عندما صار يرى الأكياس الأخرى، تظهر على ظهور رفاقه، تلاشى خجله، وراح يزينه بصور ورسومات، حتى أنه ابتكر له جيبا خاصا بالأقلام، بعد أن قام بإعادة تدوير حقيبة مدرسية ممزقة، لم ينج منها إلا جيبها الداخلي، وهو ما أستخدمه لتحسين “كيسه” المدرسي
فكرة سالم عن جعل الكيس ظريفا، لاقت استحسان رفاقه في الصف، وانخرط معظمهم، حتى الذين كانت معهم حقائب، في مهمة “تزينية” لأكياس بلاستيكية محايدة، جعلوها حقائبهم المفرحة للنظر، بالألوان الزاهية والصور المبهجة، التي زينتها، وبالروح المورقة حبا ورضا، تلك التي تقبلوا بها كسرة الخاطر وظلم الحياة، بل وبها أيضا هزموا شر الفاقة وقسوة الحرب.
اليوم تذكرته، وأنا اقرأ اسعار الحقائب المدرسية المتوحشة، الحقائب التي تحولت ألفتها إلى نوبات هم وتفكير، خيبة وبكاء، لقد “تعملق” سالم على حداثة سنه، أمام الظروف التي دمرت حيوات كثيرة، تخلى عن مفردات هامة من مفردات الطفولة تحت ثقل وطأتها، لكنه لم يسمح لها أن تحوله إلى متسول كما فعلت مع غيره، بل إلى رجل صغير يُعتمد عليه.
لم التقيه مرة أخرى، رغم محاولتي ذلك، أخبرني أحد رفاقه أنه ربما عاد للقامشلي، أو سافر إلى حيث نزح والده. حتى الصورة التي التقطتها خلسة له، مع كيسه المدرسي، اختفت!
سالم صار الكثير من الطلاب الذين ليس بمقدور أهلهم شراء حقيبة مدرسية لهم، وما ظننته يوما طارئا، صار واقعا بل وشبه معتاد، أكياس بلاستيك لمن لا قدرة له على الشراء، عوض الحقائب المدرسية، ما الضير في ذلك؟
تمّام بركات