ثقافة وفن

الموسيقا التراثية تعبق في دار الكتب الوطنية

 

كأن نصب المعري الواقف في دار الكتب الوطنية بحلب ابتسم حالماً، سمع تلك الموسيقا العربية التراثية تعود من جديد لتصدح من المسرح، خصوصاً، وأن فرقة بيت الفنون للتراث بإدارة الأخوين محمد وأحمد حداد كانت تغني القصائد وتنشد وتتحرك بين موال وموشح ومولوية وقدود حلبية، وترتدي الزي الفلكلوري، وبأناقة أصيلة تتمازج أصوات آلاتها مع أصوات المغنين، وتلهج الوتريات بالمقامات، ويبدو صوت آلة كمان قائد الفرقة المايسترو عبد الحليم حريري مترادفاً مع صوت آلة القانون وآلة العود وضربات الإيقاع.

وأضافت هذه الأمسية التي أقيمت برعاية وزارة الثقافة- مديرية المسارح والموسيقا، بعداً تراثياً جمالياً للمشهد الفني الحلبي، لا سيما وأنها تضمنت فناً تراثياً عربياً أصيلاً بين اللون اللبناني، والمصري، والعراقي، كما أنها بسطت توزيعات الموروث السوري موسيقياً، ربما، ليكون أقرب إلى المستمعين من مختلف الأطياف.

وحضرت أصوات من ذاكرة الزمن الجميل لوديع الصافي وأغنيته “من يوم من يومين”، ثم الانتقال بمقدرة صوتية إلى وردة الجزائرية “اللي كان”، ثم الانتقال إلى المواويل والقدود الحلبية التي تذكّرنا بكل تأكيد بصباح فخري، والوصول إلى “عمي يا بياع الورد”، والاستراحة مع كلمات تمتدح المرأة البيضاء والسمراء على السواء وكأنها من سلسلة “اسمع اش قال المعنّى ع السمر والبيض غنّى”.

ومن زاوية سماعية أخرى، لم يكن بين الترحيب بشهر ربيع الأول ومولد الرسول صلى الله عليه وسلم وأنشودة “مدد” سوى التحليق الروحي عزفاً وغناء ورقصاً للدوران المولوي اشتركت في أدائه عناصر الفرقة من أعمار مختلفة، وكان واضحاً توازنهم الفيزيقي والروحي وهم يؤدون هذه الرقصة وكأنهم حالة واحدة انصهرت مع الألحان والكلمات.

لوحات فنية فلكلورية طربية صوفية وقدود حلبية وموشحات غزلية جعلت من الحضور شريكاً متفاعلاً تصفيقاً وغناءً وتصويراً أيضاً، ومنهم ذوو الاحتياجات الخاصة وهم يتمايلون على الكراسي، إلاّ أن واحداً منهم صعد إلى المسرح ليرقص بكل براءته لدقائق، ولفتني حضور العائلات مع أطفالهم لحضور هذه الأمسية.

نذكر أن فرقة بيت الفنون للتراث تأسست عام 1997، وتتألف من 50 فناناً بين غناء وعزف ورقص، وقدمت عروضها في سورية والعالم، واثقة بأن جذور حلب العريقة ستظل في حالة إحياء للتراث الذي سيظل معاصراً.

حلب – غالية خوجة