الاتفاق النووي الايراني.. الصدمة والترويع ..!!
ربما لفترة ليست قصيرة سيكتب ويقال الكثيرعن الاتفاق النووي الايراني الذي وقع في جنيف مطلع الشهر الماضي بعد مفاوضات ماراثونية بين ايران ومجموعة 5 +1 وفحوى الحديث بالمجمل والنهائي من الرابح ومن الخاسر ؟ او انه لاخاسر ولا رابح وان النتيجة تعادل بالنقاط .. وبغض النظر عن تسيس اي حدث فان حدث الاتفاق النووي الايراني الذي وصفه بعضهم بالقنبلة النووية او حدث القرن اوالإعجازالدبلوماسي اوالزلزال السياسي في المنطقة لايمكن ان يمر دون ان يخضع لعمليات تشخيص سياسي من العيار التقيل تستند كلها الى اسئلة واسباب من كلا الطرفين القائلين بالربح اوالخسارة .. وربما يلاحظ المتابع ان الاسئلة المتقابلة اكثر من الاجوبة المتقابلة والمتناظرة .. من مثل هل من المعقول ان تخرج ايران بعد أكثر من عشر سنوات وهي تناور وتحاور وترفع ضغط المسؤولين الغربيين والاسرائيلين وحكام الخليج على حد سواء ، وبعد ان نصبت وشغلت خلالها ما يزيد عن 40.000 طارد مركزي اي بعد وصولها الى عتبة امتلاك السلاح النووي خاسرة ؟؟ وهل من المعقول ان تخرج ايران بعد ان تحملت عقود من الحصار الاقتصادي الخانق الذي فرضه الغرب على ايران، وادى الى وصول نسبة البطالة بين الشباب الى 50 بالمئة والتضخم الى 60 في المئة، وانخفاض العملة الايرانية بمقدار ثمانين في المئة خاسرة ؟؟ وهل يعقل ان تخرج منظومة اقليمية ودولية متكاملة ومتشابكة تمثل اكثر من نصف العالم محورها سورية وتحقق كل يوم على الارض السورية انتصارات لصالحها بفضل بطولات الجيش السوري والصمود الاسطوري للشعب السوري والقيادة السورية في وجه اعتى حرب كونية عسكرية واعلامبة خاسرة وصفر اليدين ؟؟
ومن غير المعقول ايضا ان يظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، صاحب الاقتراح البنّاء لحل الخلافات الإيرانية ـــ الأميركية الغربية، على أساس «التسلسلية والايجابية»، وبالتالي فصل الملفات بعضها عن بعض، وتفتيتها إلى اتفاقات جزئية خائنا لايران ومتواطئنا على حلفائه من الصين الى البرازيل مرورا بجنوب افريقيا خاسرا او مهزوما في النهاية ؟؟
وبالمقابل هناك اسئلة مضادة تحمل التشكيك والشماتة بايران لخسلرتها الورقة النووية كأهم اوراق قوتها كما خسرت سورية الكيمياوي ويتقول هؤلاء ان الاتحاد الدولي بزعامة واشنطن وحصارها الاقتصادي اجبر ايران على التخلي عن مشروعها النووي في مقابل تنازلات طفيفة في الملف السوري وان جنيف الايراني حجز لطهران الآن مقعداً في جنيف السوري وشماتات من مثل الشماتات بالكيمياوي السوري ومن قبيل ما كتبه احدهم ” إن هناك بنودا كثيرة تضمنها اتفاق الستة أشهر في غاية الأهمية تجعل ما قاله الرئيس الإيراني حسن روحاني، حول أن هذا الاتفاق نص على أن إيران ستواصل عملية التخصيب كما في السابق، هو مجرد كلام للاستهلاك الداخلي هدفه إيهام الشعب الإيراني وإقناعه بتحقيق انتصارات هي غير صحيحة وهي فارغة والحقيقة استنادا ليس إلى النوايا المبيتة وإنما إلى هذه النصوص المدونة أن تأكيد وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن «تخصيب» الدولة الإيرانية بعد ستة أشهر «سيكون صفرا» هو صحيح وأن ما قاله المسؤولون الإيرانيون وما زالوا يقولونه هو من قبيل «رش السكر على الموت»..”
ويحاول بعضهم ان يوحي ان قادة ايران لايهمهم من الاتفاق النووي سوى استرداد المبالغ المجمدة في امريكا حيث يقول :” أن ما يهم القادة الإيرانيين في هذه اللحظات هو فكَ الحصارالاقتصادي عن إيران , ذلك الحصار الذي أوقف كثيراً من مشاريع التنمية , وكان أحد الأسباب المهمة وراء تعثر الاقتصاد الإيراني الذي تُرجم شعبياً بزيادة نسبة الفقر واشتداد غلاء المعيشة , إضافة إلى أن السيد روحاني وضع قضية تحسين حياة الشعب الإيراني في أولويات برنامجه الانتخابي ونال معظم أصواته من خلالها .. كما استطاع أن ينال موافقة المرشد الخامنئي على معالجة الأمر بطريقته , وضمن غض النظر عن التنازلات التي سيقدمها في المفاوضات , ولذا كان هم الإيرانيين الأول في مفاوضاتهم الحصول على أعلى نسبة من الأموال الإيرانية المجمدة وإعادتها لإنعاش الاقتصاد الإيراني , وقد أدركوا أن ما يريده مفاوضوهم منهم هو تقديم تنازلات توصل إلى تعهد واضح ومضمون بعدم تحويل برنامجهم النووي لإنتاج السلاح النووي..”
ويحاول آخرون اعطاء جرعات من الاماني لمن لازالوا يعيشون تحت صدمة الاتفاق وخاصة في انظمة الخليج السادرة في غيها من مثل ان الاتفاق مهم فعلا ويمكن ان يتحول اختراقا تاريخيا لاحقا، وهو – في حال تطبيقه – سيؤخر ويعلق جزءا كبيرا من البرنامج النووي الايراني، إذ سيجمد العمل في منشأة أراك، ويحيّد كميات الأورانيوم المخصب بنسبة 20% الى أقل من خمسة في المئة مما يعني انه سيكون صالحا فقط للاغراض غير العسكرية. كما يفرض الاتفاق رقابة متشددة وشاملة على منشآت ايران ..
ومن جهة اخرى ولد الاحباط وخيبة الامل لدى الاسرائيلين واعراب الخليج من مفاجأة الاتفاق ليس موجة من التشكيك والشماتة وانما حملة من التحريض البائس فوصل بعضهم الى حد القول ان ايران باعت سورية بهذا الاتفاق بعد ان استخدمت شلالات الدم السوري للوصول اليه وان روسيا وبوتين تحديدا باع ايران وسورية معا بعد استخامه لمآسي السوريين وحصار الايرانيين ليحقق مجده الشخصي ويكرس قيصرته الروسية وزعامته العالمية من خلال الكيمياوي السوري والنووي الايراني ..
المحور الذي يضم ايران وسورية اتفق معه البعض او اختلف خرج رابحا، وبالخصوص ايران الذي مهد الطريق للاعتراف بها كدولة نووية مستقبلية، واستسلام الغرب لهذه الحقيقة واستعداده للتعايش معها، ورفع الحصار الاقتصادي الخانق عنها بشكل تدريجي، واعادتها الى المجتمع الدولي كدولة طبيعية وغير ارهابية تهدد الامن والسلام العالمي
إيران هي الرابحة قولاً واحداً .. وبدون ” رصيد قوة مجمد ” ..!
للقناعة التامة ان اقتناء السلاح النووي ليس للاستخدام .. وهو غير ممكن في ظل الواقع الدولي الحالي .. إذاً لماذا السعي له ؟.. السلاح النووي في هذه الأيام وضمن شروط اللعبة الدولية الحالية هو كناية عن ” رصيد مجمد من القوة ” كما قال بعضهم .. كالذهب الذي يحدد جزء من القدرة الشرائية وسعر صرف العملة المحلية .. هو رصيد مجمد من القوة يحدد سعر صرف القرارات السياسية وفعالية النفوذ الإقليمي والدولي ويعني أن يؤخذ بالحساب دوماً مصالح من يمتلكه، وبعبارة أخرى الاعتراف بالمجال الحيوي للدول على المستوى السياسي والاقتصادي، وهذا ما حصلت عليه إيران ..
والقيادة السورية حققت مكاسب سياسية كبيرة، ولم يعد احد في الغرب او في الجامعة العربية نفسها التي جمدت عضويته فيها، يتحدث عن اركعها، بينما اصاب اليأس المتسولون من المعارضة المرتهنة للخارج بعد ثلاث سنوات من اللهاث وراء التدخل العسكري الخارجي ، وما عودة مئة الف لاجيء سوري في الاردن الى بلادهم ومواجهة الموت، في الاشهر القليلة الماضية الا احد بشائر المعافاة السورية ..
ان اكثر المرتجفين من الاتفاق النووي الايراني حكام السعودية وربما اكثر من الاسرائيلين انفسهم واظهروا بحمقهم انهم اول الخاسرين وابدوا انهم في حالة هلع رغم اضطرارهم للترحيب الجذربه مؤخرا، ليس فقط إزاء حتمية الحل السياسي في سوريا، بل ـــــ أكثر ــــ إزاء حتمية الحل السياسي في البحرين واليمن، وحتمية التغيير في الداخل السعودي.
ومن سوء حظ السعودية أنها لا تملك البنية السياسية ولا العقلية ولا الإرادة للدخول على خط الاستفادة من تجارب الجار الايراني المبدعة والذكية، بل إنها ـــ وبالنظر إلى إصرارها على استخدام الإرهاب التكفيري والمذهبي، كأداة سياسية ـــ تحكم على نفسها بالتحول، واقعياً، إلى دولة معزولة وراعية للقتل وسقك الدماء والتطرف اقليميا وعالميا ..
البعث ميديا || د.تركي صقر