مساحة حرة

عربدة السعودية تزيدها عاراً وإفلاساً

فضحت جريمة إعدام الشيخ نمر باقر النمر الطبيعة الإجرامية الوحشية لحكام السعودية ولم تستطع القوى الدولية الحامية لهؤلاء الحكام الظلمة الدفاع عنهم والتستر على جريمتهم النكراء

وحتى أقرب المقربين لهم في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية استنكروا هذا التمادي في الذبح وقطع الرؤوس وانتهاك حقوق الإنسان والاستقواء على الضعفاء والعزّل، وخلف هذا الأسلوب الهمجي مشاعر ممزوجة بالغضب والاشمئزاز والتقزز لدى أوساط واسعة من الرأي العام العالمي بعامة والرأي العام الغربي بخاصة.

وهروباً من هول الجريمة، وخوفاً من عواقبها ومن الغضب العارم على نظام القهر والتسلط السعودي عملت العائلة الحاكمة بكل ما تستطيع على تحويل الأنظار عن الحادثة الأساسية الأكبر المتمثلة بإعدام الشيخ النمر نحو حادثة عرضية  ناجمة عنها وبسببها، هي حادثة  اقتحام السفارة السعودية في طهران فقامت بتضخيمها عندما قطعت العلاقات الدبلوماسية مع إيران هي ومجموعة من أنظمة الحكم العربي التابعة لها وشنّت حملة إعلامية هوجاء تستهدف الإساءة إلى القيادة الإيرانية دولياً بذريعة «عدم توفيرها الحماية اللازمة للبعثات الأجنبية»، وجرى ذلك كله بعد أن ضج العالم بإعدام السعودية للشيخ النمر وطغى خبر إعدامه على كل ما عداه ولم تبق دولة في الإقليم  أو في العالم إلا وعلّقت منذرة من العواقب وهذا ما أرعب بني سعود وجعلهم يحسبون ألف حساب حول مصير مملكتهم  وثرواتهم ومفاعيل الهزة العميقة التي ضربت عرشهم و أشارت إلى  قرب نهاية حكمهم  الظالم.

ويتساءل الكثيرون عن سبب هذه العربدة السعودية التي تخطّت كل التوقعات ووصلت إلى حالة من الجنون والهستيريا، «إذ ماذا يشكل شيخ مسجون ومعزول  منذ سنوات» من خطر على نظام الحكم السعودي وما يملكه من سطوة القوة والمال والاستبداد بالبلاد والعباد، ويتصل بهذا التساؤل تساؤل آخر عن سر التوقيت الذي اختاره حكام السعودية لإثارة هذه الضجة الكبرى وهنا يمكن الإشارة إلى ما يلي:

– جاء توقيت الإعدام وسط حالة من التأزم والقلق والتوتر يمر فيها نظام الحكم السعودي وما يخشاه من توالي الانكسارات والهزائم في حروبه الإرهابية التكفيرية في مختلف البلدان العربية، واستمرار استنزاف ثرواته وتدهور اقتصاده وعجز كبير في ميزانياته.

– جاء التوقيت وسط حالة هلع سعودي من أن الغرب بات مقتنعاً فعلاً بأن يكبر دور إيران على حساب الدور للسعودية، ما يوحي  بأن هناك من يدفع السعودية وغيرها لجر إيران إلى حرب مباشرة لمنع نجاحها مع  حلفائها من تحقيق نجاحات في الميدان وعلى مختلف الجبهات بعد نجاح طهران في الاتفاق النووي مع الغرب.

– وجاء التوقيت في ظل ظروف سعودية داخلية خانقة دفعت حكام السعودية لاختلاق مشكلات مع الآخرين لتصدير أزماتهم وأشعلوا الأزمة مع إيران  لاستدراجها إلى رد فعل حاد، تستطيع السعودية معه حشد الحلفاء الإقليميين والدوليين ضد «التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية» واستدراجها إلى الحروب السعودية الإقليمية، ولاسيما بحق اليمن وسورية والعراق.

– من غير المعروف إذا ما كان التصعيد مع إيران سيسهم في حسم الحرب على اليمن المفصّلة على قياس ولي ولي العهد محمد بن سلمان، فالحرب  على اليمن تكلف السعودية  ما يقرب من 200 مليون دولار يومياً ولا شك في أن الرد الإيراني على «الاستفزاز» السعودي عبر الميدان اليمني سيؤدي إلى استنزاف إضافي للموازنة العامة للمملكة النفطية التي سجلت عجزاً بنحو 97 مليار دولار.

– هل فعل آل سعود فعلتهم الهمجية حسب توصيف صحيفة «ذي نيويورك تايمز»، لإحباط المحادثات المقبلة بشأن الأزمة في سورية؟ هل هي رسالة سعودية لواشنطن أيضاً؟ ماذا تخطط السعودية ضد المفاوضات بشأن سورية وضد التحول النوعي في المشهد الميداني السوري بعد الهياج السعودي الذي بلغ ذروته؟

– إن الإعدام،  وهذا ذو أهمية بالغة جاء وسط تنامي القلق من وجود خلافات جدية داخل السعودية بشأن القرارات الكبرى من اليمن إلى سورية إلى التحالفات إلى جريمة إعدام الشيخ النمر، ولا أحد يعرف تماماً من هو صاحب القرار الأول وهل ثمة تباين فعلاً بين الأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان وغيرهم؟؟.

إن من سخريات القدر أن تشهد المرحلة المعاصرة من حياة العرب تنطّع حكام السعودية الأشد تخلفاً واستبداداً في هذا العصر  «لتصدير الديمقراطية» إلى الآخرين وكيف لفاقد الشيء أن يعطيه أليس نهجهم الدائم  من يتكلم يُعدَم ومن يعترض يُعدم، هذه هي السعودية التي تريد أن «تنشر الديمقراطية» في المنطقة !

هذه هي السلطات السعودية التي تدّعي دعم «حريات الشعوب ونشر الديمقراطية» ! لا تقبل أن  يكون فيها أي صوت معارض أو منتقد لسياساتها، فهل يمكن لأحد أن يرفع الصوت ويقول كلمة حق في تلك البلاد في ظل حكم بني سعود؟ وهل لأحد أن يعلن موقفه بحرية تامة إذا كان يتعارض مع رأي الطبقة الحاكمة هناك وحاشيتها الأمنية والدينية والسياسية؟ وماذا يكون بناءً عليه مصير من يقول كلمة حق في وجه تلك الطبقة الحاكمة الجائرة؟ فالجواب واضح وصريح أعلنته  دماء  الشيخ النمر، فرسائل «عالية الشفافية» بالقتل والقمع أطلقها النظام الحاكم في السعودية تجاه كل من يريد أن يعبّر عن رأيه أو يحاول أن يمارس أي حق من حقوق الإنسان الطبيعية والسياسية والمدنية .

بقي الرهان لدى البعض معلقاً الى اللحظة التي اتخذ فيها الملك سلمان قرار الحرب على اليمن في آذار من العام 2015 وادخل منظومته العسكرية في حرب استنزاف لن تنتهي بنهاية الحرب متى توقفت بل ستترتب عليها تداعيات على كل المستويات وستكون خسائرها المضمرة أكثر من المعلنة وهي هددت ملك بني سعود ببقائه بعد أن فضحت هشاشة نفوذه على المستويين الدولي والإسلامي…ولاسيما أنها مع انطلاق حرب السعودية على اليمن أعلنت «تحالفاً إسلامياً» تحت قيادتها يضم عدداً كبيراً من الدول الإسلامية وغيرها ليكتشف العالم في اليوم الثاني أن عدداً من هذه الدول ولاسيما الدول ذات السمعة القوية عسكرياً كباكستان ومصر وإندونيسيا وماليزيا وغيرها من الدول الكثيرة لاعلم لها بهذا «التحالف» وهي ليست جزءاً منه..ولم توافق أصلاً على أن تكون عدواً لأبناء الشعب اليمني الذين يبحثون عن قوت عيالهم في أعالي الجبال ولا يشكلون تهديداً أو استفزازاً لأحد من جيرانهم بل على العكس من ذلك فهم سبق أن تنازلوا طوعاً عن محافظتين مهمتين جداً وغنيتين بالموارد النفطية في إطار الصراعات الحدودية مع السعودية خلال أوقات سابقة في مقابل وعود بتسويات متعلقة بتوحيد شطري البلد الشمالي والجنوبي، ووعود أخرى لم يكن قد نفذ منها شيء حتى لحظة اندلاع الحرب.

لقد خسر النظام السعودي كل رهاناته السياسية والعسكرية وتراجعت كل الدول والقوى التي كانت مؤيدة علناً لتحركاته لـ «إسقاط» الدولة السورية والداعية إليها في مرحلة سابقة،  وبقي مصراً على دعم التنظيمات الإرهابية على اختلافها… إلى أن اصطدم بدول المحور الغربي التي باتت تنتقده علنا وتطالبه بسحب تأييده للتنظيمات الإرهابية وتتهمه ضمناً بصناعة الإرهاب ودعمه ، ناهيك بالحساسيات التي حرّكها مع روسيا ومع الصين ومعظم دول «البريكس»، وما تسبب به من مشكلات مع الحكومة العراقية، وإمعانه في استعداء إيران مجاناً مقابل خطب ود واضح للكيان الصهيوني.

إن السعودية الآن في لحظة فقدان التوازن المالي والسياسي والعسكري، إضافة إلى عدم الاستقرار والتوازن والوحدة في العائلة المالكة، وكذلك عدم الاستقرار الداخلي في الجنوب والمناطق الشرقية، ولاحقاً في كل المملكة، ولاسيما بعد إعدام الشيخ نمر النمر.

وليس مبالغة القول إن السعودية أمام منعطف خطير، فإما انهيار المملكة وعائلتها المالكة، وإما الفوضى، فالركيزة الأساس المتمثلة بالنفط تنهار مع انخفاض الأسعار وتراجع دور النفط لمصلحة الغاز في العقود المقبلة، وكذلك مستقبل أبنائها التكفيريين الذي يبدو مقلقاً لها، بعدما شعر العالم ورعاته بأنه وحش كاسر يهدد الإنسانية، فبدؤوا بحصاره حتى لا يتمدد إليهم، وبعد الضربات المؤلمة التي يوجهها حلف المقاومة بالتعاون مع روسيا.

وفي النتيجة لم يحصد بني سعود من عربدتهم وسعارهم وممارساتهم الرعناء إلا مزيداً من العار والإفلاس وستنقلب سياسة القتل والذبح وقطع الرؤوس وبالاً عليهم، ولن يمر وقت طويل حتى يحاسبهم الشعب والتاريخ على ما سفكوه من دماء حساباً عسيراً جداً .

د. تركي صقر