ثقافة وفن

بسام كوسا: طموحاتنا مؤجلة ولكن… «حَلّو يطلَع الضّو»

لا شك أن هذه الحرب كانت ولا تزال مثار جدل وانقسام كبير في الرأي، لكن امتلاك السوريين قوة هائلة وطاقة عظيمة للدفاع عن هذه الحياة خلالها؛ هي حقيقة لن يشكك بها سوى قلة قليلة، وهي إنجاز في أعين العدو والصديق، شعب استطاع بصبره وحكمته أن يدافع عن حياته ويصل إلى نتائج بدأت تأتي أُكُلها، وأمامها فإن مسألة الظهور الدائم والتواجد المستمر، لا يشكل مسألة هامة لفنان هو ابن هذه الأرض، ولأن الحياة مسألة أكبر وأهم من موضوع الفن، فهو كما الجميع وفي كل المهن؛ يرى أن “وقوف البلد على رجليه” أمر لابد أمامه للمشاريع الخاصة والأعمال الفنية، أن توضع في خانة الطموحات المؤجلة، والبقية تأتي، وفي مقابل هذه الأرقام القياسية من القذائف، اللاجئين والشهداء، الآثار التي دمرت والتي نهبت؛ العنف الذي تتسابق الشاشات في تكثيف حضوره، لا بد للمرء أن يستنكر مجرد السؤال عن “الطموحات الخاصة والمشاريع الفنية”.جردة حساب
في جردة لأحداث عام مضى على إذاعة “شام اف ام” حول الفن؛ الحياة والتحالفات السياسية التي شكلت جدلاً للبعض؛ رأى الفنان القدير بسام كوسا أن سورية دفعت ثمناً باهظاً وضريبة رهيبة لذنبٍ لم ترتكبه، ذنبها فقط أنها تَبِعت بوصلتها المتجهة دوماً إلى فلسطين، ووقفت بثبات في وجه عدوٍ كبير هو “إسرائيل”، الفنان التشكيلي الذي انحاز باكراً إلى التمثيل، كما هو منحاز اليوم إلى الناس “اللي بالشارع” يتكلم لغتهم، يشاركهم الرأي أنه “كان من المطلوب تقديم خدمة جليلة لإسرائيل، وهي الآن تهنأ بما نقوم به بأنفسنا”، أمر مخزٍ ومحزن، ولكن خمس سنين من الحرب والعدوان أثبتت أن للسوريين جذوراً ثابتة في هذه الأرض وهي ما أوصلتنا إلى النتائج الإيجابية التي نراها اليوم.
شعوران متناقضان تنازعا “ديب” الذي صرخ في مسلسل “سحابة صيف” (يلعن أبو “إسرائيل”) العام الفائت، بين إنجاز عظيم وانتصار مشرف في تحرير كويرس من أيدي من أثبتوا أنهم غرباء عن هذه الأرض ولو كان بينهم من أهل البلد “تعلمنا في المدرسة أن الدين دين تسامح، محبة وإعمار، دين إنسان وخدمة للإنسان” في تساؤل واستنكار للمنطق الذي يتبعه هؤلاء في أعمالهم، بينما رأى الخطر الأكبر في “مدّعي الوطنية” الذين يدمرون الوطن حتى وإن لم يحملوا السلاح “العدو الغريب معروف وتستطيع محاربته، أما الأخطر فهو العدو المتخفي في ثياب صديقك وجارك، أو أخيك”، بينما يقف عاجزاً عن التعبير أمام التدمير الذي طال تدمر وآثارها كما طال مدناً أخرى كحلب وسواها في منهجية مدروسة لتدمير الآثار وسرقة التراث والتاريخ، ويتساءل في عتبٍ محقٍ: “ترى بدون هذه الأزمة هل كنا نحافظ عليها”؟.
من يرفض الإرهاب على أرضه لا بد يرفضه على أي أرض، في إشارة إلى الأعمال التي طالت بعض المدن الأوروبية “نحن لسنا عدوانيين حتى نشمت بما يحدث في أي بقعة من هذا العالم” لكنه يرى فيها جرس إنذار للغرب؛ أطلقته تلك الأعمال أن “بينكم إرهابيين يجعلونكم تتراكضون في الشوارع مثلما فعلوا بيننا”.
صاحب “ضبوا الشناتي” عرّج خلال الحديث على المناخ والعواصف وضحالة الثقافة العامة التي يمكن القضاء عليها من خلال تحفيز حس المواطنة لدى الأفراد؛ أن يغذّى لديه “الشعور بأن الوطن بيتي” مسؤولية تقع على مؤسساتنا التعليمية والتربوية والمنظمات، وهو أمر يبنى على مبدأ المساواة والعدالة وإتاحة الفرص وسواها.

“خلينا بسوريتنا”
في انتصار لسوريته التي يراها أحقية في هذه المرحلة يرى في التشكيلي الراحل عمر حمدي والفنان عمر حجو أسماء لا تقل أهمية عن أسماء يبكيها العالم، وكأنما زمن انتهى برحيلها: “خلينا بسوريتنا شوي” في إشارة إلى تخلي حتى شعوب الدول التي لم تحاول الخروج ولو تحت أي مفهوم، عروبة، دين، أي مفهوم للتنديد بالقتل الذي يمارس في حقنا “أنا بالنسبة لي الذين رحلوا لدينا أهم بكتير وبيعنولي أكتر بكتير” والأهم هناك دوماً جيل جديد قادم، فمسألة النوستالجيك، والحنين إلى مرحلة فنية هامة لها غناها لا يعني أن ما يأتي له أهميته وله أهله وناسه، والغنى الخاص به، وهو ما يراه في طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية الذين يعمل معهم، جيل قادم من زمن الحرب قادر على تقديم ما هو لائق ورائع حين تتاح له الظروف المناسبة، جيل يدفعه للتفاؤل لما هو قادم “لا أطمح لعودة أي عصر، أنا مع أي عصر قادم، لا قدرة لي على البكائيات، هو أمر يشبه السير إلى الأمام بينما رأسك إلى الخلف”.

دفاعاً عن الحياة
صاحب “سيرة آل الجلالي، وقانون ولكن”، يرى أن جميع من كان يعمل في هذه المرحلة كان يدافع عن الحياة أكثر من كونه يصنع فناً، وغالباً ما أتى النجاح على حساب النوع، اعترافاً بأن وضع الدراما لا يرضي، وأنه لا يرقى إلى ما كان يقدم من قبل “كنا نطرز الفن” لكن الأهم أن الهدف بالاستمرارية في هذه المرحلة إنجاز يستحق الاحترام.
بسام كوسا سيطل في فيلم سينمائي لبناني بعنوان “مَحبَس” استطاع نصه أن يكسر قراره بالإصرار على البقاء داخل البلد في هذا الوقت، بالرغم من الدعوات العديدة للعمل خارجاً، الأمر الذي لا يوّد أن يتم تفسيره بالبطولات والوطنية “أنا ما بدي أطلع لبرّه، انتهت القصة”.
وعلى الرغم من أنه لا يرغب بتقديم شكل من أشكال التفاؤل الخلّبي، لكن الثبات والإصرار على البقاء والوقوف في وجه ما يجري أمر ليس بالسهولة، وبرغم قسوة الآراء حول المعطيات والأسباب، إلا أنه يؤمن بأننا على هذا التراب “شعب بيرفع الراس” وما تم إنجازه سيكون مثار فخر على مدى الأزمان؛ ويجب أن نقول “حَلّو يطلع الضو”.
البعث ميديا || صحيفة البعث – بشرى الحكيم