ثقافة وفن

أمسية شعرية في ثقافي أبو رمانة.. مراثي الحرب وقصائد للحب القادم

أقيم مؤخرا في المركز الثقافي العربي في (أبو رمانة) أمسية شعرية أحياها الشعراء عصام التكروري، وسامر محمد إسماعيل، بحضور جمهور لافت نخبوي ومتميز، من الحضور – على سبيل المثال – الدكتور مهدي دخل الله، والباحث فراس السواح، والفنان جهاد سعد، والفنان طلال معلا، والأستاذ خالد العبود عضو مجلس الشعب، والشاعر عادل محمود، وغيرهم.

لقد عشنا لحظات لاتنسى مع تلك الأمسية الدافئة في صقيع أيامنا هذه, أقل مايقال عنها انها أمسية شعرية للذكرى. قدم فيها الشعراء قصائد عن الحرب والوجد، وبعض القصائد جاءت كمرسال غرام. قصائد تنتمي في بنيتها لقصيدة النثر في لبوس الحداثة. في البداية قرأ لنا الشاعر سامر محمد إسماعيل  قصائد، عن الحرب وتراكماتها وإرهاصاتها: على طاولة في (نينار) يرسمنا تشكيليٌ يائس/ يكسر ألوانه بعرَقٍ بلدي ثم يصرخ من فرط الوجد: هذه اللوحة شربت من ألفيتُكم يا زعران/  فلماذا تعمّرون البغضاء بينكم كخشخاش المقابر؟ لماذا ونحن من سلالة الأسف الرهيف يغني ودارت الأيام في حانة الغرباء/ على كلثومياتٍ من دم.

وهنا وجدنا أن إلقاء الشاعر سامر محمد إسماعيل معبر كثيرا من حيث أن نبض القصيدة يحتاج لنبض موازي لما لها من وقع في صدر وقلب وفكر المتلقي، لقد أفاد الشاعر سامر إسماعيل في إلقائه من خبرته وتجربته في المسرح. ونقل لنا وبإلقائه سوداوية مشاهد الموت، وحماقة الحرب، وأنين ضحاياها). يقول : (فقط ما كان صامتاً صار متكلماً.. لم يتغير شيء/النساء في صالونات التجميل/ والرجال في نوبات الحراسة.. الموتى في برادات الخضار/ والأسماك على الأشجار/ والعصافير ماذا؟ عفواً (مازا).

وجدنا في قصائد سامر إسماعيل. ذاك النشيج المترع بالوجد وبذاك الشغف بالذكريات وبالحلم القادم على أشرعة الأمل. في وقفة تتحدى الموت وقسوة الحرب، يقول: من يعرف دربنا إلى ضيعة الثلج..؟ من يصدّق أننا نكسرُ عرَقَنا البلديّ بمذنّبِ (هالي)؟ نقطفُ البرتقال من كبد الأرض/ كمن يعمّر كواكبَ في مجراتٍ سحيقة/ أيها الناس: لنا سديمُ قبورٍ فوق تلال الأمل/ لنا حبيباتٌ مترفاتِ الحس، ذائعاتِ العطر ولنا(بيجاما) التراب الحنون هناك في أوقيانوس التجلي/ حيث تصير الريح مقابضَ لأرواحنا..والشمس تنورنا الكوني. والبحر أسماكه كلها.. ترقص من أعماقها لأغانينا. قرأ سامر إسماعيل قصائده بكثير من الحميمية المنسوجة من كاميراه الشاعرة والشاعرية التي التقطت اليومي الذي أدمانا كثيرا وسبب لنا الكثير من الحزن والقهر الذي لاينسى. يقول: أعيدوا للجريدة حركة القطارات /ولبائع الصحف طعم الصباحات المغمّسة بمازوت المطابع /..أعيدوا بائع الطوابع قرب (سينما حلب) يرفرف ببطاقاته البريدية.

الشاعر عصام التكروري قرأ لناعدة قصائده، القسم الأكبر منها كان عن مآسي الحرب وكوارثها والكثير من النزف والدم والدمار. تميز إلقاء الشاعر عصام بتلك الحالة الشعرية التي توحدت مع ذات الشاعر، من حيث هو مبدعها، وأضاف من ألق روحه الشعرية الكثير من الشغف والارتياح لدى جمهور الأمسية، من حيث الاشتغالات على اختيار القصائد وتنوعها وجرأتها وخصوصيتها من حيث إنها نتاج تجربته الشعرية. عن دمشق يقول: ( إنها دمشق قلب موقوت بالياقوت، حدث الحدأة المعطوب على ضحايا القنص، قيثارة معلقة على شجر الدخان/ مهرة تركض في سنابلها أرواحنا، غزالة تنثر نجوما مشغولة بنسيان يدوي، لتؤنس وحدة أبنائها الذين صعدوا إلى السماء).

ومن قصيدة طويلة ومميزة. بعنوان “سوري- فرينينا”، يقول: (إنه السّوري ذاك الصامت عن وجع/ الراضي بنذالة ذوي القربى/ على نظرة عطف في عين الغريب، الأبن الشرعي لسبعة الآف عام, من تلاقح الدم بالياسمين). ثم يتابع وفي القصيدة ذاتها: (إنه السوري، وإنهم تلاميذ المدارس يتساءلون منذ سبع عجاف: فمنا الوليد ومنا الرشيد فلم لا نسود ولم لا نشيد؟، ويكون الجواب: قذيفة هاون. أو انكسار جدة حضرت لتصطحب حفيدها إلى جنازة أبيه).

هي قصيدة طويلة ورائعة مساحة المكان هنا لاتتسع لنشرها كاملة.

ثم قرأ لنا قصيدة قصيرة جدا بعنوان ذاكرة رديئة: (لاتلوموا الصدأ فقط تذكروا عبارته الأخيرة: من هنا مرت كل المعادن الوضيعة). الشاعر عصام التكروري كان بين القصيدة والأخرى يعلق تعليق بسيط كأن يرحب بالفنان جهاد سعد. كذلك حينما بدأ بقراءة قصيدته صفعة تشبه، رحب بالشاعر عادل محمود، وقال: ثمة توطئة لقصيدتي هذه.. مقطع من قصيدة لعادل محمود قال فيها: (ليس هناك، على وجه الأرض، من يعرف حزن شاعر، يتدرب كل يوم على قبره). من ثم قرأ الشاعر عصام قصيدته صفعة تشبه: ( في صبيحة يوم غائم وعلى جدار نيئ، سيلصق نعوتي عامل مطبعة أشعث ويمضي. / الأصدقاء جميعا سيرتجلون حزنا لزجا.. أصدقائي الحشاشون سيقولون بأنني كنت أنسى يميني، وكبار “السكرة” سيتندرون بالتهام “المازا” / أصدقائي المصلون سيتذكرون كم مرة أعدتهم إلى بيوتهم حفاة، أما الشيوعيون فسيثنون على ربطة عنقي الحمراء / بينما سيلحظ الأقل شيوعية الخلفية الوردية لصورتي).

وختم الشاعر قصائده بقصيدة متميزة بعنوان: (بانتظارها أتذكر أشياء تعلمانها معا تبادل الورود المسروقة من الحدائق، إعادة تدوير السجائر في القبل، ومصاحبة الأحزان الأليمة) . ثمة شيء جميل حدث في الأمسية الجميلة الإضاءة الرائعة تلك التي تم استخدامها وتوظيفها وبشكل رائع أضفى نكهة شاعرية على تلك الأمسية… حبذا لو يتم توظيف ذلك في باقي مراكزنا الثقافية السورية.

البعث ميديا || خاص – أحمد عساف