line1محليات

تحقيق صحيفة “البعث”: “المطابع العامة” تدخل متاهة الشراكات المشبوهة

مع تزايد عدد السماسرة وتجار الشنطة.. والإلتفاف على تعاميم رئاسة الوزراء… المطابع العامة تدخل متاهة النسب والشراكات المشبوهة ..وأصحاب القرار في لعبة الاستثمار

 

ليست مجرد قصص ننسجها من وحي الخيال بل هي حقائق موجودة على الأرض وتتجسد إثباتاتها في الواقع الذي تعيشه مطابع القطاع العام ومنها مطبعة دار البعث  التي يحاول البعض إحالتها إلى التقاعد المبكر رغم حضورها القوي وقدرتها على منافسة المطابع العاملة في المجال ذاته، وطبعاً ماتعيشه اليوم مطابع القطاع العام عامة من عدم الالتزام بكتب وتعاميم رئاسة مجلس الوزراء الخاصة بالطباعة، إضافة إلى تحول اللجنة الدائمة للطباعة إلى مجرد ساعي بريد يثير الكثير من التساؤلات الباحثة عن إجابات شافية عن المصلحة الوطنية في إيقافها عن العمل وسحب الكثير من أعمالها ومنحها للآخرين تحت تسميات مختلفة. وهنا لابد من التوقف عند  ذلك اللغز الغامض  والسر الكبير الذي يقف وراء زيادة الإقبال الاستثماري في مجال الطباعة ومحاولة الكثير من الجهات العامة والخاصة الالتحاق به وممارسة هذا العمل بشكل أوسع وعلى حساب  مهامهم الأساسية المناطة بهم ومهنهم التي يعملون فيها أساساً، كما يعج النشاط الطباعي بحضور كثيف ومتزايد للسماسرة وتجار الشنطة الذين يحاولون بكل السبل اقتناص الفرص والاستحواذ على الحصة الأكبر في هذه السوق الناشطة والرابحة وتقاسم النسب التي تثير بدورها الكثير من إشارات الاستفهام حول مدى الالتزام بمعايير الجودة والكمية والنوعية، وطبعاً ما يجري على ساحة الواقع ينبئ بالمزيد من الصفقات التي تمنح البحث في الأسباب الكامنة وراء تخلي الجهات المسؤولة عن مهامها والمشاركة في توجيه ضربة قاضية للمطابع العامة ومنح أعمالها لجهات أخرى وخاصة في هذه الفترة. فقد قامت بعض المؤسسات العامة بتوقيع عقود شراكة واستثمار مع المطابع الخاصة، بحيث تقوم هذه المؤسسات بالسمسرة بالمطبوعات بين اللجنة الدائمة للطباعة والمطابع الخاصة، هذا ما يدفع الآن بعض الوزارات والنقابات للتفكير بمجال عمل جديد يبدو أكثر أهمية وربحاً وهو الطباعة.

وطبعاً معادلة  العمل الطباعي وصفقاته ليست معقدة وفكفكة شيفرتها  يحتاج فقط إلى آلة حاسبة لإجراء بعض عمليات الضرب والجمع والطرح والتقسيم البسيطة، وسيناريو العمل واضح حيث يتفق المندوب (السمسار) مع موظف الجهة العامة صاحبة المطبوعة على نسبة ربح تزيد عن 10% ثم يقوم بالاتفاق مع جهة طباعية عامة لاتملك القدرة على إنتاج المطبوعة وفق الشروط والمواصفات المنصوص عليها، فيعطي هذه الجهة نسبة ربح وبعدها يبرم اتفاقاً مع مطبعة خاصة لتنفيذ المطبوعة والتي بدورها تقتنص لنفسها نسبة ربح  لاتقل عن  10 %.. وهذه السلسلة التي يقوم المندوب (السمسار) بدور البطولة فيها ليست إلا متاهة تخفي ورائها ماتخفيه من فنون التلاعب والتمرير من تحت الطاولات  التي تسيل منها نسب الأرباح الكبيرة  إلى جيوب السماسرة.

ولاشك أن التدقيق في نسب الأرباح التي يتم تقاسمها في حلقات متتالية يثبت إما أن تسعيرة رئاسة مجلس الوزراء للمطبوعات فضفاضة ومجزية جداً بحيث تتيح ربحاً يزيد عن30% أو أن التنفيذ المتفق عليه بين الجهة العامة والسمسار يخضع لحسابات أخرى أي سيكون إنجاز العمل المتفق عليه  على حساب الكمية والجودة والاستلام والتسليم .

وعلى ما يبدو فإن المؤسسات والمنظمات والنقابات التي  استشعرت بقيمة الأرباح العالية  بدأت تترك عملها وهدفها المنشود وتتجه للاستثمار في الاتجار الطباعي الذي بات بحد ذاته بوابة للصفقات الموسومة بالشبهات وعلى الرغم من أن إشكالية هذا العمل وتشعباته طرحت أكثر من مرة أمام الرفاق والسادة الوزراء، ورغم سعي دار البعث لمعالجة هذا الواقع بكل حالاته وممارساته من خلال التأكيد على تعاميم الحكومة بشأن الطباعة في مؤسسات القطاع العام ومن في حكمها، إلا أن شيئاً لم يتغير بل ازدادت الأمور سوءاً، وتكاثر السماسرة وتعددت الصفقات التي تقذف بالمستقبل الوظيفي لعشرات الآلاف من العاملين في المطابع العامة إلى غياهب المجهول.

من البداية

مطابع القطاع العام، ومن أهمها وأقدمها مطبعة دار البعث، التي حدد مرسوم إحداثها عام 1969 الغرض منها بالصحافة والطباعة والنشر، إلا أن ذلك لم يشفع لها أو يسهم في منع تلك السلوكيات والألاعيب التي أثرت بشكل واضح على عملها وأدخلتها في متاهة التخفيض القسري لطاقتها، حيث تعرضت خلال السنوات الماضية إلى صدمات من العيار الثقيل وتتالت حلقات مسلسل سحب الكثير من الأعمال الطباعية التي كانت في عهدة مطبعة دار البعث، حيث تم تخفيض المطبوعات التجارية المرسلة من مديرية المطبعة والجريدة الرسمية إلى ما يعادل 3%من طاقتها الإنتاجية فقط، حيث لم تتجاوز مباشرات العمل التي وصلت إلى الدار في بعض الأعوام طاقة إنتاج لمدة أسبوعين وبما يعادل 4%من قوة العمل، ويعود ذلك إلى وجود نشاط تسويقي غير سليم عند بعض المؤسسات العامة التي انحرفت في السنوات الأخيرة عن أهدافها الأساسية، واتجهت إلى المنافسة والاستثمار في الطباعة، مع غياب الأسس الموضوعية في توزيع المطبوعات حسب طاقة المؤسسة الطباعية وعدد عمالها وآلاتها، والاعتماد على نشاط المندوبين (السماسرة) والرغبات والميول الذاتية للمديرين في هذه المؤسسات، وساهم في ذلك أيضاً تحييد وإلغاء القواعد التي كانت تنظم آلية العمل في القطاع الطباعي من حيث تحويل كافة طلبات الطباعة من المؤسسات الحكومية بالبريد إلى اللجنة الدائمة للطباعة ومن ثم الاجتماع في نهاية كل أسبوع لدى اللجنة وتوزيع العمل وفق الطاقة الحقيقية وعدد العمال الحقيقي، وهذا ما طالبت دار البعث في اجتماع اللجنة الدائمة للطباعة بالعمل على أساسه، وذلك تنفيذاً لتعميم رئاسة مجلس الوزراء، وقد رفض من قبل أغلب أعضاء اللجنة، هذا المناخ أثر بشكل كبير على عمل مطابع القطاع العام، وأدى في بعض الأحيان إلى اتباع نفس طريقة عمل الجهات المنافسة في هذا المجال، وذلك حفاظاً على استمرارية العمل الذي يعتاش منه المئات من العاملين في مطبعة الدار.

خلاصة القول

المسؤولية الوطنية تفرض على أصحاب القرار، وخاصة في ظل الأزمة وماتعيشه المطابع من واقع مأساوي، العمل والمبادرة السريعة لاتخاذ جملة من القرارات التي تحقق التوازن في القطاع الطباعي، وبشكل يحقق العدالة في توزيع الأعمال ويعيدها إلى حضن المطابع العامة، والعمل على تأمين حصص متساوية من الأعمال الطباعية، وبما يتناسب مع القدرات الطباعية لكل مطبعة، وبذلك تسهم الجهات المعنية في إيصال عمال هذه المطابع ومئات الملايين المستثمرة فيها إلى ضفة الأمان..

فهل ستشهد الأيام القادمة قرارات حقيقية على هذا الصعيد بعد أن خالفت الجهات العامة تعميم رئيس مجلس الوزراء رقم 189/15/تاريخ 5/9/2013 والبلاغ رقم (15/9)- ب تاريخ 23/4/2013 والبلاغ (13/ب-15/3109) تاريخ 18/5/2005 والتي تقضي جميعها بإلزام الجهات العامة طباعة جميع مطبوعاتها لدى مطابع القطاع العام وتوجيه مراسلاتها بهذا الشأن إلى اللجنة الدائمة للطباعة ليتم توزيعها على مطابع القطاع العام حسب الإمكانات المتوفرة، ومن الملاحظ أن الجهاز المركزي للرقابة المالية لم يتمكن من ضبط المخالفات في هذا المجال، وفق المهمة التي كلفه بها السيد رئيس مجلس الوزراء في متابعة حسن تنفيذ التعاميم والبلاغات، ومراجعة محاسبي الجهات المعنية ومطابع القطاع العام بهذا الخصوص، وفق الكتاب الموجه إليه من رئاسة مجلس الوزراء رقم 3052/ق تاريخ 11/12/2014 وحسب ماجاء في التعاميم والبلاغات الخاصة بهذا الشأن؟

ولن ننسى أيضاً الإشارة إلى تعميم وزارة المالية رقم /29916/11تاريخ 24/11/2009 المتضمن إلزام محاسبي الإدارة والمدراء الماليين في الجهات العامة ذات الطابع الإداري والاقتصادي بعدم صرف أي فاتورة تتعلق بالمطبوعات المنفذة خارج مطابع القطاع العام مالم ترفق بكتاب اعتذار صادر عن اللجنة الدائمة للطباعة، ولكن الكثير من الجهات باتت خارج سلطة هذا التعميم بعد أن منحت نفسها استثناءً وأخرجت نفسها من دوامة المراسلات، والاعتماد على مندوبيها (السماسرة) لتمرير مصالحها في غفلة من هذا التعميم، وبصورة تستجلب الكثير من التساؤلات الباحثة في حقيقة ما يجري.

فهل تمتلك الجهات المعنية الجرأة للاعتراف بأخطائها والتراجع عن قراراتها السابقة ؟.. وهل نبالغ عندما نطالب الجهات المعنية بكشف أسرار القطاع الطباعي، والتحقق من غاياته وأهدافه، وإخضاعه إلى سلطة الرقابة والمساءلة، ووضع كل حيثياته تحت مجهر الحقيقة والمصلحة العامة، بغض النظر عن الشخصيات التي خطت ببصماتها طريق ولوجه إلى ساحة التنفيذ؟.

محاولات جادة

جهود كبيرة قامت وتقوم بها إدارة دار البعث من أجل معالجة هذا الواقع المستجد في مطابعها، ومطابع القطاع العام الذي رغم اختلاط أوراقه، وتعدد أسبابه، إلا أنه في الكثير من تفاصيله لا يخرج من دائرة الغايات النفعية للبعض، حيث عملت الإدارة على التواصل بشكل شخصي ورسمي عبر الكتب والمراسلات مع جميع الجهات المعنية لتذليل الصعوبات، والوصول إلى صيغة مناسبة تحقق المصلحة الجماعية، إلا أن محاولاتها كانت تقع دائماً في فخ الضبابية، وتصطدم بازدواجية المواقف والآراء بسبب رغبة الجهات العامة تسليم مطبوعاتها إلى السماسرة، وتجاهل وجود جهة عامة أخرى تنظم ذلك، وهي اللجنة الدائمة للطباعة.

مع الإشارة إلى أن بعض المؤسسات العامة والنقابات تبرر توجهها  نحو الإنتاج الطباعي بزيادة الموارد، حيث رأت فوائد غير مؤسساتية في شراء آلات الطباعة، وفي المنافسة بأجور وعمولة الطباعة والورق والحبر والبلاكات والغراء، وما يحصل على أرض الواقع في هذا المجال يدعو للأسف، ويثير الكثير من التساؤلات التي تلاحق الجهات المسؤولة عن هذا الخلل!.

وكل ما ذكرناه مؤكد بالوثائق وهو غيض من فيض، وهناك أمثلة حية عن حالات أخرى تبيّن لجوء أغلب مؤسسات القطاع العام لتنفيذ المستلزمات الطباعية، والتي تقدر بمئات الملايين عن طريق السماسرة، وبشكل يجعل من مطابع القطاع العام، واللجنة الدائمة للطباعة شهود عجز وزور.

بشير فرزان