line1مساحة حرة

الـسباحة عكـس التيـار

لم يشهد التاريخ السياسي أزمة تصنيف للمعارضة على النحو الذي أسفرت عنه الأزمة الراهنة التي تعيشها الأقطار العربية، حيث أسهم البترودولار فيها بدور سلبي جداً واضح المخاطر على الحاضر والمستقبل أدى إلى طفو الرجعية العربية – مرحلياً – على المشهد السياسي والاجتماعي والفكري في المجتمعات العربية والإسلامية. فضاعت واختلطت الحدود الفاصلة بين المعارض والإرهابي.
فقد رعت الرجعية العربية والعثمانية في فنادق العالم ومطاراته مايُسمّى بالمعارضة المعتدلة من جهة، وقدمتا المال والسلاح الكافيين وتسهيلات الانتقال للإرهاب العابر والتكفير والتطرّف في المنطقة والعالم من جهة ثانية. وإلاّ من أين لهؤلاء الفتيان القدرة على هذا التجوال والقتل في  أربع جهات الأرض؟!.
إن مناخات العبث والضياع والاغتراب والقلق والتشرذم التي تكتنف حياة قطاعات واسعة من أجيال مجتمعاتنا وبلداننا انعكاس لحالة العُصاب والمأجورية والتآمر التي ترعاها هذه الثنائية الرخيصة، ما أدى إلى مشهد الخراب والدمار واسع الأطياف، وجعل من حركة النهضة واليقظة العربية وما نتج عنها من حركة التحرر والاستقلال العربية حصاداً مريراً بعد أقل من نصف قرن، فقد كانت الرجعيتان نفسهما بالمرصاد. فمن المستفيد من هذا المحصول المرّ؟!
في هذا السياق تهافت المتهافتون أمس إلى الرياض، وفي السياق المقابل والمناهض نجد أصواتاًً عديدة ترتفع منددةً بهذا التهافت ولاسيما إلى هذا المكان المشؤوم الذي صار وبالاً على الوطنية والحرية والتحرر.
فتلك البلاد غير مؤهّلة لأي لقاء وطني، ولا عروبي، ولا علماني، ولايزال أمامها خطوات عديدة شاقّة يصعب عليها تجاوزها في طريق التأهيل، فما من عاقل يستطيع تجاهل آلاف  الأبحاث والوثائق في مختلف أرجاء العالم التي تثبت صلة نظام آل سعود بدعم التطرف والتكفير والإرهاب، ويومياً تطالعنا عشرات الصحف ومراكز الأبحاث الدولية بما يؤكد ذلك ويوثّقه، ويقرن ذلك بنفاق وتصاغر وجشع المسؤولين في الغرب، هذا من جهة، ومن جهة ثانية ذات صلة، فإن ما أعلنته أمس البرلمانية اليسارية الألمانية من أن أردوغان هو الأب الروحي للإرهابيين في العالم، هو صدى واسع ومدوٍّ لآراء عديدة على المستوى الدولي.
إذن، تهافتُ «المعارضين والإرهابيين» أمس إلى الرياض ليس من فراغ، بل ذو هدف يرمي إلى إسقاط المسار السياسي لحل الأزمة السورية، من خلال خلط الأوراق، وانسجاماً مع ما هو معلن سعودياً: تلازم المسار الإرهابي مع السياسي. ألا يدرك المتهافتون ذلك؟!
فمن الناحية الشكلية، يغدو زعم اللقاء تحت عنوان «توحيد المعارضة» مراوغة فاسدة ومفسدة، إذ لا يجوز عقد أي لقاء في سياق المسار السياسي في الرياض. وهناك يمكن عقد لقاء للمسار الإرهابي التكفيري فقط. فصار واضحاً أن من بين الأهداف هو تعويم المسلّحين والإرهابيين، وشرعنة «الجهاد» وحمل السلاح في وجه الدولة، ونشر التطرف والتكفير ليس في سورية وحدها. فغدا الهدف عكس العنوان.
هذه الملاحظة الشكليّة ذات أهمية، وهي من العوامل المؤشّرة على عدم جدية اللقاء، وعلى أنه محكوم – وعن قصد- بالفشل، ولاسيما أنه سُبق بإعلان «السيّد» الأمريكي عن تشكيل وفد المعارضة للحوار. إذن الهدف عرقلة المسار السياسي المنشود وطنياً ودولياً. وهو في سياق قطع الطريق على المعارضة الوطنية، لتعويم أيضاً مايسمى بالمعارضة المعتدلة والتي اشتهر تسفيه روبرت فيسك لها ولكاميرون الذي أوهمته الرجعيتان بعدتها وعديدها.
واللقاء ذاك حقيقةً هو سباحة عكس التيار لأنه يتعارض مع ما اتفق عليه الحضور في فيينا2 حول علمانية الدولة، وفي هذا السياق أتى تأكيد الرئيس الأسد في لقاء سيادته مع التلفزيون التشيكي «أن أثمن شيء يحاول حمايته هو العلمانية التي لا وجود لسورية التي عرفها العالم منذ قرون دونها ودون الاعتدال والتسامح وقبول الآخر»، فمن يجهل أن السعودية ألدّ أعداء العلمانية والاعتدال والتسامح وقبول الآخر، وهل يجهل هؤلاء المتهافتون ذلك، أم أنه الارتزاق وحسب؟! ولهذا «أخفقت أوروبا في إدماج الثقافات داخل مجتمعاتها، وباتت تصدّر التطرّف إلينا، لأن المؤسسات الوهابية تنفق فيها الأموال على تحريف فهم المسلمين».
هذه السباحة في  الأحواض العفنة للثلاثي الإرهابي المعروف في المنطقة والعالم هي محاولة تعمية على أسباب تضاعف عدد المقاتلين الأجانب في سورية والعراق بمجرد طرح المسار السياسي، ومحاولة لتشريع وطنية عصابات تتلقى: المال – والسلاح – والإرهابي الجوّال على أرض الوطن. واستمرار لتبرير تصدي «الثلاثي الإرهابي» لقرارات مجلس الأمن بمحاربة أذرع القاعدة العصيّة على التصنيف.
فكل مايتعارض مع السيادة، والدستور، وحماية المؤسسات الوطنية، والانسجام مع دور الجيش العربي السوري، وثوابته الوطنية القومية التقدمية، لا يهم جماهير شعبنا وأمتنا. هذا ما بدأ يدركه ويتفهّمه المجتمع الدولي أكثر فأكثر… وهذا ما سيؤكد من جديد أهمية مبادرة القيادة السورية للإصلاح الوطني الديمقراطي الكامل انطلاقاً مما ورد في كلمة الرئيس الأسد في 6/1/2013 الذي لن يجد الحوار الوطني متسعاً أرحب منها.  إنه درس لمن سيعيد اللعبة، وهاهو الميدان يتكلم اليوم، وغداً أكثر.
د. عبد اللطيف عمران