مساحة حرة

العروبيّة والعلمانيّة في مواجهة الوهابيّة

يتساءل الناس بتعجّب واستغراب: لماذا حدث في سورية ماحدث؟

هم على حق في إثارة هذا السؤال، فالأجيال الصاعدة تتطلع إلى الجواب الشافي، لأنها أمام معضلة واقعية ومستقبلية مع انتشار الدمار والتطرف والتكفير في أرجاء غير ضيقة من البلاد وفي الوطن العربي، وفي العالم الإسلامي أيضاً.

فسورية القديمة والحديثة والمعاصرة هي موطن العروبة والإسلام والمسيحية، موطن الفسيفساء الاجتماعية والعيش المشترك والوحدة الوطنية. إذن موطن العلمانية.

والعلمانية هي التي حافظت وتحافظ على الدين من تدخل الحكومات والدول، وهي تعني فصل السلطتين التنفيذية والسياسية عن السلطة الدينية، أي فصل الدين عن الدولة. كما أنها لم تكن في العلوم الاجتماعية والسياسية ضد الدين كوجود وممارسة خاصة. ويخطئ تماماً من يعرّف العلمانية على أنها مرادفة للإلحاد فمن يصّر على هذا التعريف هو المتطرّف والتكفيري.

كما أن العلمانية في مجتمعنا وفي أحزابنا الوطنية والقومية تعتز بالحضارة العربية الإسلامية، وبأن النهوض الحضاري العربي تأسس على احترام الآخر والاعتراف بحضوره وبإسهاماته بعيداً عن ترهيبه أو تكفيره.

في بداية الأزمة في سورية لم نكن على يقين بأن المشهد الذي بدأ على أنه احتجاج سيصل إلى التطرف فالتكفير فالإرهاب، فتمّ التعامل معه رسميّاً بالتدرّج لاستيعابه حفاظاً على المواطن والوطن، ولم تكن خيوط المؤامرة قد اتضحت بعد. بدأنا أولاً بالاعتراف بالخطأ. ثم انتقلنا ثانياً إلى الحديث عن قصور العامل الذاتي وجعلناه قرين المؤامرة، وفي أحاديثنا الخاصّة جعل بعضنا هذا القصور سابقاً للمؤامرة بل مسبباً لها. وثالثاً احتكمنا إلى الحوار الطويل والموسّع الذي أعقبه بل رافقه احتكام التكفيريين إلى السلاح، فكان الحوار أصمّاً. ورابعاً أنجزنا شوطاً كبيراً في مشروع الإصلاح الوطني الديمقراطي. فماذا كانت النتيجة؟. كانت اشتداد وانتشار  وتوسّع التطرف فالتكفير فالإرهاب فالدمار.

ومع مضي الأشهر والسنين تطوّر تشكيل الجماعات المتطرفة والتكفيرية، فتحوّلت إلى عصابات إرهابية مناقضة تماماً للوطنية وللعروبية وللإسلام، وهي لم تنشأ ولم تظهر كأحزاب أو تيارات أو منظمات تخوض صراعاً مدنيّاً سلميّاً ضد السلطة، بل ظهرت على شكل عصابات توالدية انشطارية حملت السلاح أولاً، وجنّدت المرتزقة ثانياً، واتصلت بالخارج ولاسيما مع الأعداء التاريخيين للعروبة وللعلمانية ثالثاً. وعلى هذا الأساس استُهدفت الدولة الوطنية والعروبية، وبقيت الممالك والإمارات مؤقّتاً بمنأى عن الاستهداف.

هذا الكلام لايقدم مسوّغات على الإطلاق لتراجع دور الأحزاب والمنظمات والنقابات الوطنية، ولا لضعف دور المجتمع الأهلي. فهؤلاء اليوم جميعاً أمام تساؤل مرير وهم يرون هذا الشرخ، وهذا الدمار في البنى الفوقية والتحتية.

لكن التشخيص والوعي يسهمان في نجاح العلاج، فلقد تضافرت عدة عوامل على ضرب عضوية العلاقة بين العلمانية والوطنية والعروبية وفق تسلسل تاريخي تشكّل بداية بعضوية العلاقة بين الوهابية والصهيونية. فالبروتوكول 1 “لحكماء صهيون يقوم على نشر الثورات والحروب والفوضى والمطالبة بالحرية والمساواة”، والبروتوكول 15″يتحقق ذلك عن طريق الانقلابات والخلايا السريّة”، أما البروتوكول 16 فـ “عن طريق إفساد التعليم وإبعاد المواد التي يمكن أن ترتقي بعقول الشباب حتى نصنع منهم أطفالاً طيّعين”.

وعلى هذا الأساس تصنع الوهابية والصهيونية شرق أوسط جديداً فكبيراً، يأتي بعده طرح “الفوضى الخلّاقة” التي يحققها نظيرها المسمّى ربيعاً عربياً.

إذن، نحن أمام معطيات علمية واقعية، أمام معترك مصيري لايوجد فيه إلا طريق واحد مستقيم، لا معتدل ولا منحنٍ، فالاعتدال والرمادية في حالة الخطر هذه نظير الانحياز إلى التكفير والإرهاب. ولننظر إلى مافعلته السعودية بمصر مجرّد مشاركة الأزهر في ملتقى العلماء المسلمين مؤخراً في غروزني، وبتونس مجرّد تلميح وزير الشؤون الدينية  فيها إلى خطر الوهابية.

هذا بعض ما نستلهمه من توضيحاتك العديدة للرأي العام أيها القائد «يا ثبْتاً بمستَعرٍ» وأنت تشخّص الداء والدواء بقولك: «خيارنا الوحيد هزيمة الإرهاب والحفاظ على مجتمعنا العلماني، وإجراء الإصلاحات التي يريدها السوريون.. لأننا المعقل الأخير للعلمانية في المنطقة».

د. عبد اللطيف عمران