line1مساحة حرة

هكذا يكون الرئيس

محمد كنايسي

من المفارقات الكبرى في عصرنا أن الدول الغربية التي تعظم الفكرة الوطنية، وتعتبر الاستقلال والسيادة خطاً أحمر، تنكر على الدول العربية هذه الفكرة، ولا تقبل الحاكم العربي، إلا إذا كان دمية في أيديها. ويا ويله إذا شذّ عن القاعدة السائدة في وطننا العربي المنكوب بأصحاب الجلالة والسمو والفخامة، قاعدة الخضوع لقوى الاستعمار والهيمنة، واختار، كما فعل الرئيس الأسد، نهج الكرامة الوطنية والقرار المستقل، وكان الاستثناء في زمن التبعية العربي الذي يتحكم فيه الأغراب بمصائر الأوطان، فإن تلك القوى ستعاديه بضراوة لا حد لها، وتستقدم، لمحاربته، عتاة الإرهابيين من أربع جهات الأرض.

والحقيقة أن الدكتور بشار الأسد فاجأ الغرب الذي راهن على أن الرئيس الشاب الذي درس اختصاصه الطبي في بريطانيا، لن يقدر على تحمّل أعباء النهج الوطني العروبي المقاوم الذي انتهجته سورية في ظل قيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد، وأن يفاعته وثقافته العصرية ستجعلانه صيداً سهلاً قابلاً للإخضاع، وكان موقفه الرافض للإملاءات الأمريكية في لقائه الشهير مع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول عام 2003، الضربة القاضية التي قضت على أي أمل للولايات المتحدة في كسر إرادته، وتغيير نهجه، وإجهاض مشروعه الإصلاحي الوطني الديمقراطي، ليبدأ، منذ ذلك التاريخ، استهداف سورية، من خلال الضغوط والتهديدات والعقوبات، وصولاً إلى شن الحرب الإرهابية الكونية عليها عام 2011.

ولقد كان طبيعياً أن يسقط الرهان الغربي عموماً، والأمريكي بشكل خاص، سقوطاً مدوياً، لأنه قام على قراءة سطحية لشخصية الرئيس الأسد، أغفلت مكوّنها العقائدي والثقافي الوطني والقومي الذي هو خلاصة تربوية لثلاث مدارس تجسّد الوطنية العربية السورية، وهي: مدرسة الإرث الوطني الاستقلالي التاريخي، والتقاليد الكفاحية العريقة في سورية، ومدرسة البعث العربي الاشتراكي العقائدية النضالية، ومدرسة الرئيس حافظ الأسد المرجعية العربية المعاصرة  للحكمة والشجاعة.

ولو أن أمريكا ومن لف لفها انتبهوا إلى ذلك، لعرفوا أن من تربى في هذه المدارس لا يمكن أن يرى في منصب رئيس الجمهورية السورية إلّا واجباً وطنياً مقدّساً، ومهمة نضالية شاقة، وأن يفاعة الشباب، والثقافة العصرية، هنا، هما دافعان لتصليب هذه الرؤية وتطويرها، وليس للانصراف عنها الى مزايا السلطة وإغراءاتها كما توهموا.

فليبقوا إذن أسرى جهلهم وعجزهم عن معرفة الحقيقة. فما يهمنا أن الأكثرية الساحقة من شعبنا العربي السوري، وجماهيرنا العربية، على امتداد الجغرافيا القومية، تعرف حقيقة هذا الرئيس المناضل، وتكن له أعمق مشاعر المحبة والتقدير، وترى فيه أمل العروبة والمقاومة.

في لقائه الأخير مع أئمة وخطباء المساجد، قال الرئيس الأسد: “كلكم أو معظمكم يعرف أنني أنا من طالب بإيقاف الدعاء للرئيس.. لا نريد الدعاء.. من يريد أن يدعو يدعو بقلبه”، لكنه شدد بالمقابل على دورهم في الصمود الوطني بالقول: “إن المنابر ليست فقط دينية، هي منابر وطنية.. لأن الجيش وحده لا يكفي والرئيس وحده لا يكفي والحكومة لا تكفي، إن لم نصمد مع بعضنا لا يمكن أن يصمد البلد”.

وهذا كلام لا يصدر إلا عن زاهد في السلطة، مسكون بالهم الوطني. ومن يريد معرفة سبب صموده، ورفضه الجذري ترك قيادة السفينة في زمن العاصفة، وترشّحه لمنصب رئيس الجمهورية، فإن الإجابة تكمن في صدق الهم الوطني العميق الذي يحمله، ونبل المشروع الطموح الذي يسعى إلى تحقيقه.

في سورية، البلد العربي الذي يقاوم الإرهاب والصهيونية والاستعمار، ويجترح، بدماء شهدائه الأبرار، معجزة الانتصار على مشروع إسقاط دولته، وتغيير هويته السياسية، وتقويض وحدته الوطنية، وضرب استقلاله، تمهيداً لتحرير جولانه المحتل حتى آخر ذرة من ترابه الطاهر، لا يمكن لرئيس الجمهورية إلّا أن يكون مناضلاً وطنياً صعب المراس، فولاذي الإرادة، لا ينحني إلا لله، كما هو الرئيس الأسد..

*رئيس تحرير صحيفة البعث