مساحة حرة

أوباما وداعش .. احتواء لا إنهاء ؟؟

خطة باراك أوباما الواردة في خطابه لمحاربة داعش لم تكن بحاجة لكل هذا الانتظار وكل هذا العياط والمياط والشفاعة من قريش عفوا والمباركة والشفاعة من مؤتمر جدة فالخطة مكشوفة ومعلومة قبل ان يعلنها سيد البيت الأبيض أو يزامن إعلانها عشية ذكرى أحداث الحادي عشر من أيلول فداعش أوجدتها بالأساس إن لم نقل خلقتها إدارة أوباما وما كانت لتصل الى ما وصلت إليه لولا الرعاية الأمريكية الكاملة وكل كلام في غير هذا الاتجاه غبش أمريكي على العيون وانطلاقا من هذه الحقيقة الجوهرية يمكن ان نفسر ماذا تريد الإدارة الأمريكية من قيام تحالف دولي لمحاربة داعش وصل إلى أربعين دولة حتى الان وطبعا بقيادة الولايات المتحدة وإصرار على استبعاد سورية وروسيا وإيران بما يعني دون لبس أن محاربة إدارة أوباما وحلفها للإرهاب كلمة حق يراد بها باطل .

لا نريد أن نعيد ونذكر ما بات معروف أن مثل هذا التحالف الدولي سبق أن أقامته الولايات المتحدة أكثر من مرة ونخص بالذكر التحالف الدولي في عهد بوش الابن ضد الإرهاب في أفغانستان وضد تهديد أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق فزاد الإرهاب ولم ينته أو يزول بعد حرب أمريكا للإرهاب بل ولد للقاعدة قواعد وفرخت أجيال جديدة منها داعش والنصرة وأعداد كثيرة أخرى تحت مسميات مختلفة ولوظائف أمريكية متنوعة وثبت بالأدلة القاطعة أن لا أسلحة تدمير شامل ولا من يحزنون لدى العراق وإنما كانت ذريعة لتدمير العراق وتقسيم الدولة العراقية واليوم يعيد البيت الأبيض نغمة التحالفات الدولية تحت عناوين مماثلة ولكن بدلا من القاعدة في أفغانستان ابنتها داعش في العراق وبدلا من التخلص من أسلحة التدمير الشامل العراقية المزعومة التخلص من النظام في سورية كعقبة كأداء عجزوا عن اقتلاعها خلال ثلاث سنوات ونصف وهذه المرة باسم محاربة داعش في العراق وسورية وتحت يافطة مكافحة الإرهاب أيضا .

كما قلنا خطة أوباما مكشوفة جدا رغم محاولات إحاطتها بالغموض الشديد فهي عودة أمريكية الى المنطقة على جسر محاربة داعش وبتحالف دولي جمعه التخويف الأمريكي إلى حد الرعب والهلع من إخطار داعش وهذا التحالف لا تريده إدارة أوباما أن يجتث داعش من جذورها ولا أن تستأصل التنظيمات الإرهابية من المنطقة معاذ الله لأنها بمثابة جيوش جديدة لأمريكا ولم تنته صلاحياتها ولذا تريد أن تعمل على احتوائها لا إنهائها كمرحلة أولى ثم إعدادها وتهيئتها وتوجيهها نحو إيران وروسيا وحتى الصين في مرحلة لاحقة وتريد من التحالف الدولي الجديد أن يغطي تدخل الناتو في سورية واستهداف قواعد الجيش السوري ويكرر السيناريو الليبي تحت ذريعة توجيه الضربات الجوية لداعش وعليه جاء طلب الحكومة التركية بفرض حظر جوي في شمال سورية .

تقوم خطة إدارة أوباما على عدم إرسال قوات برية وعدم خوض معارك على الأرض واكتفت هي وحلفائها الغربيين بتوجيه الضربات الجوية مما يعني عدم توفر نية بإنهاء الوجود الإرهابي كليا أو بسرعة في العراق لأن الضربات الجوية مهما كانت قوية في المفهوم العسكري لا تحسم ولا تقضي قضاء مبرما على العصابات الإرهابية أما بالنسبة لسورية فهنا بيت القصيد حيث عين الإدارة الأمريكية على إسقاط النظام وليس القضاء على الإرهاب ولذلك صاغت المعادلة التالية:

– استبعاد سورية ليس من التحالف الدولي وإنما من أية مشاركة أو تنسيق لمحاربة داعش المتواجدة على مساحة واسعة من الأراضي السورية والدولة السورية هي الوحيدة في المنطقة التي تحارب داعش والإرهاب منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف.

-الإعلان عن تسليح التنظيمات التي تصفها أمريكا والغرب بالمعتدلة لتقاتل حسب خطة أوباما داعش وقوات النظام في سورية وطبعا بالتوازي مع القصف الجوي الأمريكي والتحالف الدولي وخلط الأوراق في هذا القصف بين مواقع داعش ومواقع الجيش السوري.

– إدخال تركيا في التحالف كعضو في حلف الناتو المقصود منه تسهيل مهمة الحلف للتدخل العسكري غير المباشر في سورية بعد فشل كل المحاولات السابقة عن طريق مجلس الامن الدولي لانتزاع قرار بالتدخل المباشر في الأزمة السورية.

– خطة أوباما الحربية ضد داعش تستغرق ما لا يقل عن خمس سنوات بكلفة تصل الى مئة مليار دولار تدفع من قبل السعودية بما فيها تزويد ما تسميه المعارضة السورية المعتدلة بأسلحة نوعية جديدة على أمل تغيير موازين القوى على الأرض.

خطاب أوباما متضمنا خطته الحربجية عبارة عن صفقة تجارية جديدة ورابحة أول أرباحها مئة مليار دولار وعدم خسارة نقطة دم واحدة من جندي أمريكي وثاني أرباحها إعادة اصطفاف عربان  المنطقة والغرب خلف الولايات المتحدة بعد ظهور بوادر تبعثر وتشتت بين حلفاء الأمس وسطوع النجم الروسي وصعود قوة منظمة شنغهاي وأفول نظام القطبية الأحادية في المشهد الدولي واهم أرباحها فوق هذا وذاك عودة أمريكية إلى الشرق الأوسط مظفرة ومرحب بها تحت تأثير فوبيا الرعب من الإرهاب الوحشي مما يفسح في المجال للهيمنة الأمريكية على المنطقة وعلى الأقل لخمس سنوات قادمة قابلة للتمديد حسب استنساخ دواعش جديدة على طريقة إدارة الإرهاب لا القضاء عليه وبأساليب الاحتواء لا الإنهاء المجربة والناجعة.

د. تركي صقر