مساحة حرة

إلى أين سينتهي داعش؟

هذا هو سؤال اليوم والغد، ومن يعرف الإجابة عنه يعرف الإجابة عن سؤال كيف بدأت داعش، ولماذا؟
فالهدف اليوم ليس تحرير الموصل التي يبدو أن التنظيم حقق فيها الهدف الموكل إليه؟!، بقدر ما هو ترحيل داعش بأمن وسلام من العراق إلى سورية، ليتأكد أن داعش لم يولد ليموت قبل تحقيق أحلام الشرق الأوسط الجديد، والفوضى الخلّاقة، والخراب العربي.
لقد تحولت العلاقة بين الإدارة الأمريكية وداعش إلى فضيحة حين أصبح لكل من مؤسسات هذه الإدارة جيشه الأصولي الخاص به، وكتائبه الإرهابية السريّة والمعلنة إلى أن وصل مستوى الصدام بين هذه المؤسسات إلى حد تبادل الاتهامات، ما دفع بالمرشحة كلينتون إلى الإقرار بمسؤولية الإدارة عن صناعة التنظيم وتمويله وتدريبه وحمايته السياسية والأمنية، وحتى تأهيله إيديولوجياً.
لم يولد التنظيم ولادة مفاجئة ولا قسريّة، فقد كانت الأمور تسير بهدوء وبتسلسل وبخطط موضوعة مسبقاً ومدروسة بدقة، ولذلك لم يعد الاحتكام إلى “نظرية المؤامرة” في تفسير هذه الظواهر هروباً من مواجهة الواقع أبداً.
لهذا كانت أضلاع مثلث المؤامرة تُبنى واحداً تلو الآخر وفق تسلسل تاريخي جيوسياسي، أولها: إطلاق مشروع الشرق الأوسط الجديد، فالكبير. وثانيها: نظرية الفوضى الخلّاقة. وثالثها: أحداث «الربيع العربي».
في ظل هذه الثلاثية العضوية، وعلى حامل النفط والوهابية وُلِد داعش وشظاياه. وداعش اليوم الذي تقررت نهايته في العراق يبدو أنه سيكون من حيث الهدف غير داعش المخطط له التسلل إلى سورية، فحين يصل إليها، إذا وصل، سيخضع لعملية إدماج جديدة في واقع “أشقائه” من المعارضة المسلحة أو “المعتدلة”.
فكانت سورية في غاية اليقظة لهذا المخطط الخبيث إذ أكد بيان القيادة العامة للجيش والقوات المسلّحة التصدي لمحاولة فرض واقع ميداني جديد من خلال تأمين ممرات آمنة لإرهابيي داعش الفارين من الموصل باتجاه الأراضي السورية. وفي السياق نفسه أعلن لافروف أن بلاده تراقب معركة تحرير الموصل عن كثب وستقوم بتقييم الأوضاع واتخاذ القرارات السياسية والعسكرية المناسبة إذا حدث ذلك.
ويبدو أن هذا هو مادفع الإدارة الأمريكية إلى التراجع مبدئياً والإعلان عن أن معركة الموصل قد تستغرق أسابيع وأشهراً. في وقت يعرف فيه الجميع أن داعش لايقاتل ولن يقاتل في ظل هذا الهجوم الكبير عدة وعتاداً.
ففي غمار التردد والتريّث والتحضير الطويل لخوض معركة الموصل أنضجت الإدارة الأمريكية حسابات إقليمية ودولية فتّاكة جديدة مريحة لها، ومتعبة لموسكو خاصة في سورية. وسنكون لها بالمرصاد، وسنهزم “التنظيم” وستتلاشى وظيفته مع الهزيمة.
لذلك نرى اليوم هذا الاضطراب الإقليمي والدولي في تخيّل عراق مابعد داعش بعد أن كان يُظن أنه من السهولة بمكان ترحيل التنظيم إلى سورية بذريعة ليست خافية على أحد وأهم ملامحها استمرار وتوسيع دائرة تدخّل التحالف المزعوم في سورية بحجة محاربة الإرهاب.
سينتهي داعش بصمود سورية التاريخي، ولن ينجح المخطط الأمريكي القائم على تكامل الخدمات وتوزيع الأدوار بين الأمريكان والتنظيمات الأصولية الإرهابية التي تم بعثها من رماد التدخلات الأمريكية في العالم الإسلامي والشرق الأوسط الجديد، ومن الرهانات الوهابية السعودية على احتواء الأنظمة الجمهورية الوطنية والتيارات القومية في المنطقة.
وستنتهي مع داعش مخططات التفتيت المبنية على الحاجة إلى التنظيمات المذهبية التكفيرية المسلحة لتكريس شرق أوسط جديد تصنعه الفوضى الخلاقة في ظروف ماسمي بـ«الربيع العربي».
ولاشك في أننا سنشهد عن قريب ولادة وعي وطني عروبي جديد تدرك فيه الأجيال الحاجة إلى خوض معركة واحدة ضد التطرّف والتكفير والإرهاب.

د. عبد اللطيف عمران