مساحة حرة

الاقتصاد السوري… الفرص والتحديات

 

أثرت الأزمة على جميع مناحي الحياة في سورية، وكان القطاع الاقتصادي هو الأكثر تضرراً نتيجة الظروف التي فرضتها الحرب، فأصبح التحدي الأهم هو كيفية تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد حرب والتخطيط لمرحلة ما بعد الحرب “مرحلة إعادة الإعمار”.

ويمكن إيجاز أهم التحديات والفرص التي تشكلها الأزمة، بما يلي:

– التحدي: العقوبات الغربية والعربية على المؤسسات وبعض الشخصيات الاقتصادية، وعلى البنوك والمصرف المركزي السوري، وما لذلك من أثر كبير على كافة القطاعات وخاصة الصناعة واستيراد المواد الأولية اللازمة لكثير من الصناعات.

– الفرصة: العودة إلى الداخل والتركيز على شؤوننا الداخلية وتقوية قدرتنا الإنتاجية والتركيز على الأسواق المحلية جراء انخفاض العائدات من النفط والسياحة نتيجة للعقوبات, والتوجه نحو اقتصاديات عالمية جديدة شرقاً (الصين – الهند – ايران – روسيا – دول أمريكا اللاتينية).

– التحدي: انخفاض الايرادات العامة للدولة وماله من تأثير مباشر على التوازن الاقتصادي العام, أي أن المتغيرات المالية قد أثرت على المتغيرات الاقتصادية.

– الزيادة في كتلة الرواتب والأجور، إضافة الى تسريح عدد كبير من العمال من قبل القطاع الخاص منذ بداية الأزمة ما يضع الدولة أمام مشكلة البطالة، حيث يدخل إلى سوق العمل سنوياً نحو 230 ألف وافد جديد.

الفرصة: الدور الهام الذي لعبه القطاع الحكومي من خلال التدخل في تفعيل النشاط الاقتصادي، وكذلك للدور الكبير الذي لعبه ويلعبه في التوظيف, لذلك قد تكون هذه الأزمة فرصة أمام القطاع العام لاصلاح مواطن الخلل فيه ومحاربة الفساد والهدر.

التحدي: في ظل انخفاض الإيرادات، وزيادة النفقات، وخاصة فيما يتعلق بإعادة ترميم ما تضرر من جراء هذه الأزمة، فأحد طرق التمويل المقترحة هي التمويل بالعجز، الذي سيترك آثاراً سلبية على الاقتصاد، وعلى المواطن أيضاً. وأبسط ما يمكن أن تنتجه طريقة التمويل هذه، وخصوصاً بعد تضخم الإنفاق الجاري على حساب الإنفاق الاستثماري، هو ضخ سيولة جديدة في الأسواق، وبين أيدي الناس، غير مترافقة مع زيادة في الإنتاج المادي، وهذا بعمومه سيشكل إجراءً اقتصادياً غير سليم سيضاعف حجم الإنفاق، وسينتج تضخماً اقتصادياً، مما يبشر السوريين بارتفاعات في الأسعار، وانخفاض القدرة الشرائية وهذا بالفعل ماحاصل في السوق السورية.

الفرصة: الاستفادة من الأزمة والالتفاف حول مسألة الاصلاح الحكومي والاداري في اعادة اكتشاف مواطن الخلل واستعادة الموارد التي يمكن بها تمويل الموازنة العامة عوضاً عن التمويل بالعجز، كاسترجاع الموارد المنهوبة عبر الفساد، أو مكافحة التهرب الضريبي الذي يقدر بأكثر من 350 مليار ليرة سورية”.

مقترحات لصانع القرار الإقتصادي في سورية:

  1. لابد من إصلاح القطاع العام لتظل الدولة قادرة على التحكم بقيادة الدفة الاقتصادية في سورية, فقد قدم هذا القطاع الكثير لبناء وتنمية سورية، ويكون الحل بالتعيينات القائمة على أساس الكفاءة وعلى محاربة الهدر والفساد، وسن القوانين التي تمنحه الحرية التي تمكنه من امتلاك شروط المنافسة والتطوير والإبداع ومبدأ التنافسية الحقيقية.
  2. ضرورة انتقال الحكومة من سياسة ردود الأفعال على التداعيات الداخلية أو الخارجية للازمة الاقتصادية، إلى المبادرة برسم وتنفيذ السياسات التي تمكّنها من حماية الاقتصاد الوطني ومنعه من الانهيار( كرهان خارجي يتم الاشتغال عليه من القوى المعادية لسورية)، والاستعانة بفريق استشاري اقتصادي أكاديمي، ومن رجال الأعمال لهذا الغرض.
  3. التركيز لا يجب أن يكون فقط على قانونية النفقة إنما أيضاً على كفاءة هذه النفقة ومدى مساهمتها فعلاً في مساعدة الاقتصاد السوري على التخلص من مشاكله والتي تفاقمت في ظل الأزمة.
  4. ربط خطط النمو بتحقيق التوزيع المتوازن بين القطاعات وتحقيق العدالة، بحيث يعتمد على متطلبات الواقع السوري ويستخدم المزايا التي تمتلكها، ويحقق الأمن الغذائي ويعيد الاعتبار إلى قطاع الصناعة، ويستخدم المزايا السياحية والخدمية، ليكون عامل نمو حقيقي يؤسس على قواعد ومزايا، لا فقاعياً قائماً على بعض القطاعات الإنشائية أو المصرفية أو السياحية التي توجه لفئة وتكون عوائدها لفئة قليلة، ولذلك لابد من إعادة الاهتمام بقطاع الزراعة من خلال الوصول إلى حل لمشاكل الآبار الارتوازية، ولسعر المازوت وسعر الأسمدة، مع الاهتمام بالبنية التحتية الخدمية للأراضي الزراعية، وخاصة في المنطقة الشرقية. وكذلك الاهتمام بالبحوث الزراعية بما يضمن الوصول إلى أصناف ذات جودة تساعد على التوسع العمودي عن طريق زيادة الإنتاجية، وكذلك إعادة الدور المنوط بالدولة في تأمين مستلزمات العمل الزراعي بالمواصفات المناسبة، والعمل على إيجاد صناديق تقاعد للمزارعين ومربي الثروة الحيوانية تجنبهم الخوف من المستقبل، وتقديم المساعدات والإعانات في فترة إعادة الانطلاق من خلال زيادة ثمن المحاصيل الاستراتيجية. وكذلك لقطاع الصناعة من خلال تقديم التسهيلات والمزايا للصناعات التي تؤدي إلى قيم مضافة وتعتمد على المواد الأولية المحلية.
  5. على الرغم من الاهمية الكبيرة للنفقة الحكومية وما لها من آثار كبيرة في التخفيف من حدة الأزمة في حال صرفها في المكان الصحيح, إلا أنه لابد من اشراك ودفع الاقطاع الخاص ليأخذ دوره في تحمل الأعباء الناجمة عن الأزمة، وليسهم في إعادة البناء والحد من البطالة.
  6. الحاجة الى تصويب الاستثمار نحو القطاعات المناسبة وفي المكان المناسب وما لذلك من أثر في زيادة الايرادات العامة للدولة، بالتالي القدرة على زيادة الإنفاق الجاري.
  7. إعادة النظر بآليات الدعم في قطاع الطاقة، حيث يكلف الدولة مئات المليارات من الليرة السورية، وربما كان من الممكن استثمار هذه المبالغ في مشاريع تنموية أخرى تساعد على الحد من البطالة, ويمكن توزيعها على كل مواطن سوري برفع الحد الأدنى للأجور وتخصيص دعم اجتماعي جديد ومختلف.
  8. تعزيز النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد، وترسيخ مبادئ المرفق العام (الحيادية، المهنية، النزاهة، المساواة، المسؤولية،…)، مع تعزيز مبادئ دولة القانون، واحترام الإدارة الحكومية للقرارات القضائية، وتعزيز الآليات الرقابية وجعلها أكثر مهنية.
  9. تحسين إدارة الموارد البشرية والتركيز على استقطاب الكفاءات للعمل في الإدارات الحكومية، مع تعزيز دور الابتكار وتحمل المسؤولية، وتصحيح نظم الترقية الوظيفة من خلال ربطها بالخبرة المهنية، وتأطير ذلك من خلال وضع بنية إدارية قادرة على القيام بذلك.

أما بالنسبة لسياسة توسعية أم تقشفية، فلابد أولاً من معرفة مايلي:

  • العمل لزيادة الموارد وترشيد الإنفاق من خلال مكافحة الهدر وتطبيق الرقابة على كل أوجه الإنفاق، والتأكد من صرف المبالغ على المشاريع والجدوى الاقتصادية منها ومدى دقة تنفيذها.
  • أي دولة في العالم تريد حماية اقتصادها وتطوره وتحقيق معدلات نمو عالية فيه، تقوم بترشيد الإنفاق العام من خلال إنفاق كل قطعة نقدية في مكانها المناسب، بالتوازي مع إجراءات أخرى مرافقة، مثل محاربة الفساد ومنع الهدر سواء في اعتمادات النفقة الجارية أم النفقة الاستثمارية.
  • من الطبيعي بالنسبة لكل بلد مر بأزمة ما كتلك التي مرت بسورية، أن يعمد إلى ضغط النفقات والابتعاد عن الإنفاق غير الضروري, والتوجه نحو الانفاق المنتج.

أي عقلنة الانفاق وترشيده والنظر للنفقة ليس فقط ببعدها المالي، إنما أيضاً ببعدها الاجتماعي والسياسي. والتوسع في الانفاق المنتج بما يحقق زيادة بالموارد، تكفل اعادة ما هدم وتضرر من جراء الأزمة، والتوسع في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية للمتضررين من الاحداث.

إن هذه المقاربة تتطلب وجود بنية لقيادة هذه العملية تؤمن التنسيق والاتساق بين مكوناتها المختلفة، فعمليات وضع الاستراتيجية المتكاملة للإصلاح، وتنفيذ خططها، يحتاج إلى وجود جهة متخصصة تقود العملية، وتمتلك القدرات الفنية والإدارية اللازمة لإدارتها.

كما أن تطوير إدارة الموارد البشرية يحتاج إلى بنية على مستوى الدولة، بالنظر لحجم العاملين في الوظيفة العامة، وأهمية دورهم في عملية التنمية. ولابد من أن يقترن العمل في أي تطوير إداري بالعمل على بناء وتطوير الحكومة الالكترونية مما يستدعي وجود بنية لإدارة ومتابعة مبادرة الحكومة الإلكترونية، هذه الأمور التي تم بدء إيجاد حلول لها في سورية مع ايجاد وزارة للتنمية الإدارية.

البعث ميديا|| د. شاهر إسماعيل الشاهر – أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الفرات – مدير المركز الوطني للبحوث والدراسات