مساحة حرة

الخطة الأمريكية.. والمواجهة المحتملة!!

اعتمد الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” طيلة فترة وجوده في البيت الأبيض الأمريكي على مدى ثماني سنوات متواصلة عقيدة متزنة ظاهرياً في السياسة الخارجية حيث كانت تهدف إلى انقاذ أمريكا من ورطة التدخل المباشر في حروب خارجية حماية لها من الوقوع في مستنقعات جديدة كما حصل معها في كل من أفغانستان والعراق وما رافق ذلك من فشل وانتكاسات كادت تضرب البنية النسيجية الداخلية – المفككة أساساً – للولايات المتحدة الأمريكية، كما عمد الرئيس ” أوباما ” إلى تنفيذ أجندات سياسية جديدة مختلفة كلياً عن أسلوب الحروب المباشرة وخسائرها العالية الثمن التي مارسها سلفه الجمهوري “جورج بوش” الابن، حيث أحل مكانها منهج الحرب البديلة أو الحرب بالوكالة التي يتحمل أعباءها كاملةً الحلفاء الإقليميون وأتباعهم من العصابات الإرهابية الإجرامية الذين تم تحضيرهم لهذه الغاية ولأوقات وأهداف محددة (إعتراف هيلاري كلنتون مرشحة الرئاسة الأمريكية عن تصنيع داعش أمريكياً)، وتوجيهها وفق خطط مرسومة مسبقاً تساعد في إعادة رسم الخرائط الجيوسياسية للمنطقة والعالم بما يخدم المصالح الأمرو – صهيونية تحت غطاء من شعارات كاذبة ومخادعة حول حقوق الإنسان والديمقراطية وغيرها من الشعارات الكبيرة التي تُغطي التحركات التخريبية والتدميرية على الأرض والتي تؤدي إلى تركيع الدول والشعوب عن طريق الحصار والتجويع وبالتالي تقطف ثمار هذه السياسة العدوانية شعوب المنطقة المثقلة بأعباء الفوضى والحروب الظالمة وتتحمل مواجهة كوارث جديدة.
عناصر التنظيمات الإرهابية التي فرت من الموصل نتيجة الضربات القوية للجيش العراقي وحلفائه من أبناء الحشد الشعبي، وجدت نفسها امام احتمالين لا ثالث لهما، الأول: أن تستسلم للجيش العراقي أو إنها ستسحق بالكامل، والثاني: وهو الذي قررت أن تسلكه وهو الفرار باتجاه مدينة الرقة السورية ودير الزور والمدن الحدودية الأخرى، وهذا ما حصل فعلاً للعديد من عناصر التنظيم وعائلاتهم الذين غادروا الأراضي العراقية أمام أعين القوات الأمريكية التي لم تحرك هي وطائراتها ساكناً، وهذا ما يؤكد عدم جدية قوات التحالف التي تقوده أمريكا بضرب داعش والقضاء عليه، لكن القيادة السورية وحلفاءها كانوا على دراية كاملة بكل التحركات الحاصلة، وهم يترصدون كل جديد في المنطقة، وقد كشفوا هذه الخطة بكل أبعادها واخذوا احتياطاتهم اللازمة لمواجهة هذا التحول المفاجئ ومنع حصول تغيير في موازين القوى على الأراضي السورية لصالح التنظيمات الإرهابية التي ترعاها الولايات المتحدة وحلفاؤها، ما يؤكد هذا التحليل هو اعتراف القوات الأمريكية بأن معركة الموصل قد يحتاج إنجازها لأسبوعين أو أكثر، وهي الفرصة التي تحتاجها التنظيمات الإرهابية لتتمكن من إعادة ترتيب اوضاعها الجديدة في المنطقة الشرقية والشرقية الشمالية من سورية تحضيراً لبدء المعركة الكبرى ضد القوات السورية وحلفائها.
الإدارة الأمريكية تحارب تنظيم داعش الإرهابي من الناحية النظرية، لكنها على الأرض تُقدم له متطلبات الاستمرار والديمومة من أسلحة نوعية ومعلومات استخبارية ولوجستية بشكل مباشر أو غير مباشر، قد يصل إلى حد التنسيق والتعاون في بعض المواقع، كما حصل في دير الزور عندما قصف طيرانها مواقع مهمة للجيش العربي السوري، وبعد دقائق من وقف الغارة قامت عناصر تنظيم داعش بمداهمة الموقع والاستيلاء عليه (جبل الثردة) في محاولة لمحاصرة مطار دير الزور الصامد.
اعتبرت القيادة السورية أن معركة تحرير الموصل هي معركتها، كما هي معركة تحرير أية منطقة سورية والقضاء على الإرهاب هي معركة مقدسة تخدم المشروع الإنساني العالمي في أي مكان على الأرض، وكما أكدت قيادة أركان القوات الروسية العاملة في سورية بأنها أرسلت أقماراً اصطناعية وطيارات استطلاع لمراقبة التحركات الإرهابية على محيط مدينة الموصل حتى الحدود السورية العراقية، تحسباً لأي تحولات قد تحصل على الساحة السورية ليتم مواجهتها بما يتطلب الموقف، وقد عبر الرئيس الروسي ” فلاديمير بوتين ” في اتصال هاتفي مع الرئيس بشار الأسد استمرار روسيا بدعم الجهود السورية في محاربة الإرهاب مؤكداً حرص روسيا على وحدة الأراضي السورية واستقلالها.
في النتيجة نرى أن الانتصار الكبير الذي حققه الجيش العربي السوري وحلفاؤه في حلب وريفها كان له الدور البالغ في قلب حركة المعادلة الدولية ليس في سورية فحسب، بل كذلك على ساحة المنطقة برمتها، ومهما حاولت الإدارة الأمريكية اللعب على أوتار التسميات والألقاب، فهي عاجزة عن فعل شيء جوهري على الأرض، وهي عاجزة فعلياً عن فصل ما تدعي بانهم “معارضة معتدلة” عن تنظيم جبهة النصرة الإرهابي، لأن ذلك سيحرق الورقة الأخيرة التي تتمسك بها، كما انها غير جادة في محاربة داعش والقضاء عليها بشكل كامل، وهذا ما سيتكفل القيام به الجيش العربي السوري وحلفاؤه في المعركة، وعندها ستخضع الإرادة الأمريكية المكابرة إلى منطق الواقع، وتقبل بتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بسورية وخاصة القرارين 2253 و2254، وتنحو باتجاه قبول الحل السياسي الذي عارضته بحجج واهية، والحل الذي يضمن وحدة واستقلال سورية أرضاً وشعبياً؟

محمد عبد الكريم مصطفى