اخترنا لك

المشروع القومي العربي..التحديات..والآفاق (2)

المواطنة وبناء الدولة القوية

بسام هاشم، مدير المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي، أوضح أن المشروع القومي العربي مر في القرن الماضي بانتكاسات كثيرة تمثلت باغتصاب فلسطين، ونكسة 67، وفشل التجارب الوحدوية. أما بالنسبة لتحديات مطلع القرن الحالي، فيمكن القول إنها ذات أبعاد ثقافية واقتصادية واستراتيجية تتجلى بظهور دول صاعدة محيطية كتركيا وإيران وأثيوبيا على خلفية فقدان منطقة الشرق الأوسط لثقلها العربي المركزي، معتبراً أن المشروع القومي العربي يشهد اليوم تراجعاً ويواجه أربع سيناريوهات هي سيناريو عودة الهيمنة الغربية والأطلسية، والسيناريو التناحري بين الدول العربية كما يتمثل الآن بالهجمة الوهابية الإخوانية على بلاد الشام والمغرب العربي بقيادة سعودية قطرية تركية، وسيناريو البلقنة الذي يذكي الصراع والإنقسامات بين أبناء القطر الواحد، وأخيراً سيناريو استمرار الوضع الراهن بكل تفاعلاته الكارثية، وإن الوضع الحالي لا يساعد على قيام مشروع قومي عربي ناجح، ويلزمنا في ظل الظروف الحالية معجزة لتحقيق هذه القيامة، وانقلاب جيو-استراتيجي عالمي على صعيد موازين القوى العالمية. وقال إن المشروع القومي العربي يحتاج إلى إعادة تعريف فيما يختص بالسياسة والحدود والمجتمع وصراعات الهوية والانتماءات، كما يستلزم إعادة تعريف للعلاقة مع الإسلام، وعلينا أن نجيب على سؤال: أي إسلام نريد؟!.. وهل يتعين علينا البحث عن الإسلام العربي بعد أن بات الإسلام اليوم بنسخ متعددة: إسلام أمريكي أو تركي أو ماليزي، أو …

وأضاف: يتميز الوضع الراهن يتميز بالانتصار للنزعة الفردية على مستوى المجتمع، وبالليبرالية المتوحشة على المستوى الاقتصادي، إضافة إلى تراجع المطامح القومية لصالح النزعات الأدنى سياسيا ومجتمعيا، ويمكن القول إن ما يسمى بـ “الربيع العربي” يتعلق بشكل مباشر بمشروع بناء “الشرق الأوسط الكبير” بقيادة أمريكية، وبخلل التوازن الإقليمي في البحر المتوسط، إضافة إلى وجود شباب غير مسيس ولكنه يتعامل دون ضوابط مع تقنيات التواصل الإجتماعي ومنجزات العولمة، وانحسار دولة الرعاية الاجتماعية.. وكل هذا يلقي بالشكوك على نجاح المشروع القومي العربي، وهي شكوك تتفاقم إذا ما أضفنا إلى كل ذلك وجود حالة جديدة من تضخم المد الإسلاموي والصراع العربي العربي بين أنظمة مذعورة ومتهالكة تستقوي على بعضها البعض باستحضار التدخلات الخارجية.. لقد تحولت دولة ما بعد الاستقلال التي كانت رائدة في التخلص من الاستعمار، والتحرر السياسي والاجتماعي، والانخراط في مشروع الحداثة، إلى أداة قهر تصب في مصلحة المشاريع الامبريالية، وهذا ما أدى إلى التشظي المجتمعي. وأكد أن العولمة لا تتيح إمكانية حقيقية لبناء الأمم، بل تتيح إقامة نظم “حكم ذاتي” تضمن الحد الأدنى من الوفاق المجتمعي، وهنا لا بد من التساؤل: هل باستطاعتنا القول إن ميثاق المواطنة قادر على بناء الدولة القوية؟!.. وهل الدولة القوية هي القادرة وحدها على بناء الإطار القومي القوي؟!.

ورأى هاشم أن الوحدة العربية تحتاج لدفع ثمن باهظ لتحقيقها، معتبراً أن تحرير فلسطين هو نقطة الانطلاق لتحقيق الوحدة العربية، ويمكن القول إن المشروع القومي العربي أساسا هو عملية توسعية تراكمية.

النكسات والمشروع القومي

خالد عبد المجيد، أمين سر تحالف الفصائل الفلسطينية، أكد أن المئة عام الماضية ضمت نكسات مؤلمة في المشروع القومي العربي نتيجة تكالب القوى الامبريالية عليه، ولكن هذا لا ينبغي أن يوصلنا للكفر بمشروعنا القومي العربي.

وأضاف: إن ملامح المشروع القومي العربي ربما انطلقت مع الثورة العربية الكبرى، واستطاعت أن تجلي الامبراطورية العثمانية من بلادنا، ثم قام من قاد هذه الثورة بالعمالة للاستعمار، وقسموا الأمة وتآمروا عليها. وعندما وقعت النكبة كانت الحالة العربية متردية، واستطاع الاستعمار بناء الكيان الصهيوني في فلسطين كوسيلة لضرب المشروع القومي العربي وإجهاضه.

وأكد أن حزب البعث العربي الاشتراكي وأحزاب قومية أخرى تمكنت من النهوض بالفكر القومي العربي ونشره في أقطار عربية كثيرة رغم النكسات التي توالت. وكان هناك توجه حقيقي لتجاوز تلك النكسات، وأفرزت هذه النهضة القومية حالة نهوض في المقاومة الفلسطينية والثورة الفلسطينية آنذاك. وقد تمكنت الثورة الفلسطينية عبر ترابطها مع البعد القومي من توجيه ضربات موجعة للاحتلال، ونحن كفلسطينيين لا نستطيع الاستمرار دون إسناد من عمقنا القومي العربي، والكل يذكر فترة النهوض الثوروي بعد حرب تشرين التحريرية، وكيف تم إجهاض هذه الثورة من خلال اتفاقية كامب ديفيد. كما أن انتفاضة الحجارة في عام 1987 كانت مدعومة من الشعب العربي والأنظمة العربية، وهذا أعطاها قوة. وبعدها حصل خرق خطير في الساحة الفلسطينية في ظل وضع عربي متداعٍ عبر التوجه إلى المفاوضات، وتوقيع اتفاق الذل – اتفاق أوسلو – إلى أن برز التيار الإسلامي في الساحة الفلسطينية في ظل تراجع التيار القومي واليساري، وكان هناك دعم قومي لهذا التيار الإسلامي، لا على أسس فكرية إيديولوجية بل بناء على مقاومته للاحتلال، وقد كانت حركة الإخوان المسلمين العمود الفقري لهذا التيار. وقد استغلت الحركات الإسلامية هذا الوضع نتيجة تراجع التيار العلماني والقومي، وبدأت تتحرك بالشارع، واستمر هذا الوضع حتى بدأ ما يسمى “الربيع العربي” فأصبحنا أمام مشاريع متضاربة: مشروع إسلاموي متمثل بالإخوان والوهابية اللذين سعيا إلى توظيف الحركة الشعبية بتفاهم مع الغرب، إن لم يكن بتواطؤ معه، واستطاعوا الوصول إلى السلطة في مصر، ولم ينجحوا بالبقاء. في هذه المرحلة.. مرحلة الضياع.. انساق إلى الساحة الفلسطينية مسار سياسي خطير يقوده كيري، وهذا المسار ستكون له آثاره الخطيرة على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وهو محاولة لاستهداف الأمة العربية ومشروعها القومي، ونعتقد كفلسطينيين أنه دون الترابط بين المشروع الوطني الفلسطيني والمشروع القومي العربي لن يكون لنا وجود، وأعتقد أن سورية اليوم هي الأقدر على لعب دور مهندس المشروع القومي العربي القادم.

نهوض الحركة القومية من جديد

بدوره أحال محمد كنايسي، رئيس تحرير جريدة البعث، إلى اولئك الذين يشبهون الحديث عن المشروع القومي العربي بالسباحة ضد التيار، أو التغريد خارج السرب، في ظل واقع عربي وصل إلى حالة غير مسبوقة من التشرذم والتفتت والتناحر، أخطر ما فيها هو ما يجري من تفكيك للدولة القطرية، وانفلات العصبيات الطائفية والمذهبية والإثنية، وزج الرجعية العربية بكل قوتها في استهداف المقاومة وحاضنتها السورية، آخر الحوامل السياسية الرسمية للمشروع القومي العربي. وبعد أن كان العرب يطمحون إلى الوحدة، هاهم اليوم يفقدون وحدة أقطارهم، وبعد أن كانوا يتوقون لتحرير فلسطين التاريخية فإذا بهم اليوم يقبلون بأقل من 22% من مساحتها، وإسرائيل ترفض وتشترط الاعتراف بيهوديتها.. ولكن أليس هذا بالتحديد ما يجعل من المشروع القومي العربي اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، حاجة ملحة ورداً واقعياً على الانهيارات الكارثية.. ألم يحن بعد وقت الاعتراف بسقوط الرهان على الدولة القطرية بعد استحالة تحويلها إلى دولة أمة؟!.. ومع كل هذا ما زال الخطاب الإيديولوجي المعادي للمشروع القومي يلوك التهم القديمة من قبيل أن القومية العربية فكرة رومانسية خيالية، وأن العروبة مفهوم عرقي لا يتسع لغير العرب ويتناقض مع الإسلام ويرفض الدولة القطرية ويعادي الديمقراطية، وغيرها من التهم التي تغفل عن قصد التطوير الذي حققته المراجعات النقدية داخل الفكر القومي على صعيد إعادة بناء المفاهيم القومية، علماً أن الفكر القومي الكلاسيكي الذي وجهت له أكثر السهام يجب أن يوضع في إطاره التاريخي، ويحاكم بمعايير عصره.. إن نقد المشروع القومي في الخطاب القطري والرجعي العربي لا يتم على أي أساس موضوعي معرفي، وإنما على أساس إيديولوجي، يرفض فكرة القومية من الأساس، ويرى في الوحدة العربية خصماً لدوداً ينبغي القضاء عليه بأي ثمن، وإلا فلماذا رفض كل الصيغ الوحدوية بما فيها الصيغ الاتحادية المختلفة، وحتى الصيغة القائمة في الاتحاد الأوروبي؟!.. إننا أمام فوبيا من الوحدة، وخصوصاً من صيغها الأكثر ديمقراطية التي تضمن نجاحها واستمرارها.. فوبيا تتقاسمها الطبقة الحاكمة العربية مع الغرب وإسرائيل لأنها تعني ببساطة نهاية العروش والكراسي العربية، ونهاية الهيمنة الغربية، ونهاية إسرائيل.

وأضاف: يمكن القول إن الصعوبة الكبرى التي يواجهها المشروع القومي تتمثل في العائق الامبريالي الصهيوني والرجعي العربي، وهذه حالة غير مسبوقة في التاريخ، إذ لم يكتفِ الاستعمار بتجزئة الوطن العربي بل زرع في قلبه الكيان الإسرائيلي النقيض للمشروع القومي العربي، ووظف الرجعية العربية التي لم يعد خافياً أنها الوجه الآخر للصهيونية لمحاربة هذا المشروع، يضاف إليها عوامل داخلية أخرى.. ويبقى النضال القومي في جوهره نضالاً ضد الاستعمار والصهيونية والرجعية يستلزم تجديد آلياته وأساليبه وحوامله السياسية والشعبية، وتفعيل مضمونه في مختلف الأقطار العربية لتحريرها من التبعية والاستبداد والفساد، وهذا بالضبط ما سيضعها على طريق الاتحاد.. ولعل ما نشهده من صعود التيار القومي في بعض الأقطار العربية، ولاسيما في مصر، يؤشر على أن الواقع العربي سيشهد نهوض الحركة القومية العربية من جديد، وعلى وقع الانتصار العربي السوري الذي تلوح بشائره في الأفق، والذي سيعيد الألق للمشروع القومي العربي.

المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي