مساحة حرة

الهبة الفلسطينية الثالثة.. ظروف نشأتها ومستقبلها

توشك الهبة الفلسطينية الثالثة على الدخول في شهرها الرابع، كاسرة بذلك خوف الخائفين المراهنين على طي صفحتها، وعلى عودة السلطة الفلسطينية إلى المراهنة مجددا على وهم المفاوضات العبثية، وتشبث (إمارة غزة) الإسلاموية على دويلة مؤقتة فيها.

لكن الهبة التي اشتعلت في الضفة الفلسطينية وغزة والقدس وفلسطين المحتلة سنة 1948 والمثلث، في معزل عن أي مرجعية سياسية فلسطينية قائمة، هي بقدر ما بدا ذلك نقطة ضعف كانت مركز قوة حال دون إجهاضها، تحت تأثير(بوس اللحى) والضغوط التي مورست وتمارس على المرجعيات (الرسمية المتعددة) لوقفها أو تحجيمها أو تجييرها لصالح مكاسب وقتية تافهة، قد تجنيها تلك المرجعيات .

لقد نشبت الهبة في ظروف مناسبة سمحت لها بالإستمرار، من بين تلك الظروف فشل المفاوضات على تعدد مرجعياتها الفلسطينية فشلاً ذريعاً، إلى حد أن المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية أوصى بوقف المفاوضات والتنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني والتركيز على دخول المنظمات الدولية ورفع دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية .

هذا الفشل جعل المرجعيات الفلسطينية في حيرة من الهبة، فلا هي قادرة على الانخراط فيها لأنها خارج قوسها .. ولاهي قادرة على العمل ضدها، أو التورط في فضيحة إجهاضها، الأمر الذي وفّر للهبة عنصري عدم الوصاية عليها من جهة، وعنصر الإفلات النسبي لتلك المرجعيات من ( العقاب الصهيوني الأمريكي البريطاني ) وبالتالي مكن المرجعيات من ممارسة موقف مضطرب خجول ومتباين على صعيدي الضغط والتشجيع .

الظرف الإيجابي الآخر، تقدم محور المقاومة في المنطقة بمواجهة العصابات الإرهابية وداعميها سواء في سورية او العراق أو اليمن أو ليبيا، واقتراب مصر نسبياً من سورية، وتكشف كذب التحالف الأمريكي بمحاربة الإرهاب، وافتضاح التنسيق التركي العثماني مع ( إسرائيل ) ومع النيتو، ما يعني ان المراهنة على حالة الفوضى الخلاقة والمحور الأمريكي وتابعيه، هي مراهنة عبثية لا طائل تحتها،  وبذلك لا بد من المقاومة التي يقدر الشعب العربي الفلسطيني على إجتراحها، في ضوء التفاوت الكبير الصارخ في السلاح.

وفي ضوء الانتفاضتين الأولى 1987 والثانية 2000، وما أسفرتا عنه من نتائج، تأكد أن االحجر الفلسطيني كان أجدى من السلاح، وأن العمليات التفجيرية المسلحة بالطريقة التي نفذتها حماس، أسفرت عن نتائج سلبية مدمرة، فيما أستلبت الاولى وجيّرت إيجابياتها لصالح عقد مفاوضات وصولاً إلى معاهدة أوسلو المذلة .

ومن هنا كان على الشعب الفلسطيني تطوير أدوات مقاومته، فاجترح الى جانب الحجر ؛ السكين، والدهس بالسيارات، فضلا عن المظاهرات والاعتصامات .. على الأقل، إلى حين امتلاكه السلاح، ولكن بعيداً عن استهداف مدنيين، وإنما جنود وشرطة ورجال أمن ومخابرات ومستوطني الاحتلال الصهيوني.

ولا بد أن إقتراب روسيا وإيران من المنطقة وآخرين، خلّص المنطقة من إستفراد المحور المعادي لها، وأعطى ( نفساً ) واملاً للمقاومة .

كل ما سبق يعني أن الهبة اللفلسطينية امتلكت ظروف استمرارها ونجاحها، لكن هذا يعني أيضاً، أنها مع امتدادها زمانيا وجغرافياً ستكون في حاجة لبرنامج سياسي وقيادة ثورية وحكيمة في آن، وفي آن على تواصل وتنسيق مع محور المقاومة، لضمان مدها بعناصر إستمرارها .

وبعض النظر عن التحاق قوى مقاوِمة قائمة بالهبة، أو إفراز الهبة قياداتها من داخلها، ينبغي أن لا يتم سرقتها من مجاميع جهالية تكفيرية إسلاموية ظلامية ؛ هي على اتصال وتنسيق وتفاهمات مع المحور المعادي للأمة بكل أو بعض أطرافه، وتلك مهمة ليست آجلة بحال .

بكلمات، الهبة الفلسطينية الحالية مستمرة وفي إتساع، وستعيد رسم موازين القوى داخل الصف والساحة الفلسطينية، وستكون لها تداعياتها على الساحة الإقليمية كما لم يسبق، وسيكون رابحاً كل من سيلتحق بها عاجلاً، وفي آن لا يدعي أنه كان خلف قيامها، فذلك أدعى لنجاحها من جهة وانخراط المزيد من القوى بها، وفي آن تجنيب المنخرطين الضغوط التي قد تمارس عليهم، وفي كل الأحوال فإن ميادين العطاء متعددة الأوجه ؛ هي التي ستكرس التفاصيل وعناصر القيادة ومستلزماتها.

محمد شريف الجيوسي