مساحة حرة

بعد الاغتيال: من المستفيد من شرذمة الصف اليمني؟

حدثٌ مفاجئ من حيث مستوى التصعيد أنّ يقتل الرئيس اليمني عبد الله صالح، رغم توقعات المراقبين بأن الخلافات التي بدأت تظهر على جسد تحالفه مع الحوثيين لن تمر بسلام، وبالفعل حدث ما سيؤدي حدوثه لزيادة الطين بلة في المستنقع اليمني، فالحوثيين خسروا حليف وكسبوا تكاتف أنصاره ضدهم لضلوعهم أو لنقل اتهامهم بالضلوع في التخطيط لقتله لاسيما بعد ترجمه انقلابه الفكري والسياسي الأخير بأنه خيانة وغدر؛ من حيث مد يده لدول التحالف بغرض كسر الحصار عن اليمن؛ التحالف  الذي لا يعترف بشرعية صالح ؛ التحالف الذي خطط مع منصور عبد ربه ووضعته رئيساً؛ التحالف الذي يخفي أهداف إستراتيجية تتعدى المعلن من تحركاته؛ التحالف الذي أرجع اليمن إلى العصور الحجرية!! أما كان الرئيس السابق يراعي هذه الأمور ؟ وهل كان من الحكمة أن يخلف بتحالفه مع الحوثيين الذين هم اليوم بموقع قوي بالمقارنة مع صالح ومن معه؟ قبل أي تحرك يجب الاعتراف أن خطوته الأخيرة كانت ناجمة عن تجاهل مقصود أو غفلة سياسية لا تغتفر والنتيجة مقتله وترك إرث من الانقسامات والخلافات بين أنصاره  والحوثيين من جهة وبينهم ككل تجاه التحالف الجرادي الذي يأكل الأخضر واليابس. خطيئة لا تغتفر لأن القاصي والداني أصبح يعرف أن دول التحالف قاصرة عقلياً تابعة لدولة كبرى منقذة لأجندات خارجية واليمن هدف كسواه.

منذ عام 2014م تحالفا كطرف واحد، وقبل مقتله بأيام دعا السعودية للخروج من اليمن والدعوة المفاجئة التي أطلقها كانت لإيران لكي تتدخل لصالحه لحماية اليمن واليمنيين كما نقلتها صحيفة رأي اليوم عن الرئيس اليمني، حيث دعا جميع الشعب اليمني في كل المحافظات وكل مكان أن يهبوا هبة رجل واحد للدفاع عن اليمن ضد “العناصر الحوثية” التي على حد وصفه تعبث باليمن منذ 3 سنوات للانتقام ممن حققوا وحدة اليمن وثورة سبتمبر”.

قرار ودعوات للجماهير اليمنية مفعمة بقلة الدراية، حيث كانت أولى البوادر إن أنصار علي عبد الله صالح اشتبكوا مع الحوثيين المتحالفين مع إيران! الذين طلب صالح تدخلها لحماية اليمن!!

ما يهمنا كأطراف مراقبة أن صالح، بحركة وقراره بتأليب الضمائر والنفوس ضد الحوثيين، قدم خدمة مجانية للعدو السعودي الذي لم يأخذ عروضات صالح بعين الاعتبار من جهة وحتى عند وقوع مقتل صالح فإن ذلك لن تؤثّر على تحركاتهم ولا أهدافهم في اليمن.

لقد كان الطرفان حليفان في مواجهة التحالف  السعودي الذي تدخل في الحرب باليمن عام 2015 بهدف إعادة الحكومة بزعامة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى سدة السلطة بعد أن أجبره الحوثيون على ترك البلاد.

ما أريد قوله: إن الحوثيين كانوا على درجةٍ من الوعي عندما تقدّم زعيم جماعة أنصار الله الحوثية، عبد الملك الحوثي والرئيس اليمني السابق وحزبه إلى الحوار لوقف الاشتباكات التي دارت رحاها بين الطرفين في العاصمة صنعاء.

وقال زعيم الحوثيين، في كلمة بثتها قناة المسيرة الفضائية التابعة لجماعته إن عدم الاستجابة للحوار ستؤدي لمغبات لا تحمد عقباها، حيث قال: إذا أصرت الميليشيات (يقصد قوات صالح) على التهور، فعلى الجميع التعاون لضبط الأمن”. وبالفعل جاء حادث القتل ليزيد الصدع الذي من الصعوبة إعادة رأبه وليقسم الصف إلى صفين ومن ثم إلى صفوف، وهذا ما كنا نخافه وهذا ما كانت السعودية ترجوه، ولا شيء يمنعني من التشكيك بالتخطيط لحادث القتل هذا لأن نتائجه توفر الكثير الكثير على دول التحالف من حيث الدمار الاجتماعي النفسي في الداخل اليمني.

ولعلنا في المستقبل سنرى اليمن غير قادر بتكتلاته الصغيرة على مجابهة عدوان دول التحالف إلا حدث تغيير في المسار الدولي تجاه اليمن وليس أمام الأطراف الداخلية سوى الاستسلام للأمر الواقع والدخول في حوار سياسي حقيقي مضطرين خانعين تحت قيادة منصور عبد ربه والاستمرار في القتال هو في جوهره استنزاف على استنزاف.

ساعود جمال الساعود