مساحة حرة

تقسيم العراق واليد الصهيونية؟؟

    ليس من باب المصادفة أن يكون أول من بارك إقامة دولة كردية مستقلة في المنطقة هي حكومة الكيان الصهيوني ممثلةً برئيسها المتطرف ” نتن ياهو ”  أثناء إلقاء محاضرة في مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي ، حيث من المتعارف عليه في العقيدة الإستراتيجية للحكومات الإسرائيلية تأييد إقامة كيانات وليدة بناءً على أسس دينية أو إثنية من أجل استمرار تأجيج الخلافات البينية بين الأنظمة في المنطقة وإسقاطها على الحالة الشعبية لتعزيز عوامل العداء الطائفي والقومي بين أهالي المنطقة العربية الغنية بالتنوع الديموغرافي المنسجم من أكثر من 1400 سنة وهي سعيدة في حالة الانسجام الايجابي التي تعيشها ، لذلك كان تقسيم السودان ، واليوم جاء دور العراق بعد نجاح القوى الاستعمارية الغربية وحلفائها في المنطقة في تمرير المشروع الصهيو – أمريكي الجديد الذي أطلق عليه اسم مشروع الشرق الأوسط الجديد( أو الكبير ) والخارطة المعدة مسبقاً التي سيُشكلها عبر ما سميَّ ”  بالربيع العربي ” وإشعال المنطقة بحروب أهلية تُديرها التنظيمات الإرهابية التي دخلت المنطقة بمباركة غربية وأمريكية لتحريك الحروب الأهلية التي تنهك الجيوش العقائدية وتنهي دورها الوطني والقومي ، السؤال الهام هنا هو : من هي الجهة صاحبة المصلحة الوحيدة من كل ما يحصل من حروب على المنطقة العربية ؟

  في 3 تموز الجاري دعا رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني لإجراء استفتاء بخصوص تقرير المصير للشعب الكردي ، وإقامة دولة كردستان ، وكعادتها بريطانيا تظهر في الوقت والمكان الصعب ، حيث كانت الحكومة البريطانية من أكثر المتحمسين لإنشاء الدولة الكردية ، وفق ما تسرب من الزيارة التي قام بها وزير خارجيتها ” ويليام هيغ ” للمنطقة في أواخر شهر حزيران الفائت عندما دعا رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي لتشكيل حكومة المستحيل الشاملة في إشارة لجمع المتناقضات على الساحة العراقية ، في الوقت الذي كان يبحث فيه الوزير البريطاني  مع مسعود البرزاني آلية استقلال كردستان مستقبلاً ، وهكذا تقوم بريطانيا بمنح براءة الذمة للدولة المنتظرة في الوقت الصعب!

    هناك من يرى بأن التصريح الوقح : لنتن ياهو ” يخالف السياسة الأمريكية في العراق كون الولايات المتحدة ترى بأن الدخول في هذه الخطوة الآن غير مناسب وتُطالب الأكراد بالحفاظ على العراق الديمقراطي الموحد المتعدد ، وهذا ما يُرضي الحليف التركي ولو لحين ، سيما وأن لأغلب أكراد سورية موقف غير موحد تجاه الدولة الكردية المستقلة ، مما يؤخر إنجاز الاستفتاء على مستوى أكراد المنطقة المتواجدين في العراق وسورية وتركيا وإيران.

  المستفيد الأول من كل ما يجري في المنطقة من تخريب وإعادة هيكلة من جديد على أساس ديني وعرقي ، هو الكيان الصهيوني الذي يضع عينه على مواقع هامة في العراق تحقيقاً لحلم إعادة إنشاء مملكة يهوذا الكبرى من الفرات إلى النيل ، وإن إقامة الخلافة الإسلامية في قلب المنطقة ” تحت مسمى الدولة الإسلامية ” هو بداية الترويض الأمريكي للأصدقاء والأدوات الذين لم يعد لديهم كبير الثقة بأمريكا وسياستها العرجاء المتمثلة ” بمبدأ تربية التمساح حتى يكبر ومن ثم الانقضاض عليه ” ولكنها لم تضع الحسابات الدقيقة فيما لو فلت من عقاله فهل يكفي عندها الصراخ من صاحب الفكرة والمنفذ ، ومن الملاحظ مدى العلاقة التي تربط ” داعش ” بالولايات المتحدة وأدواتها من الأعراب وتركيا ، وهذا واضح من حرص الأولى على عدم المساس بالمصالح الأمريكية وحلفائها على الساحة إطلاقاً ، بل العمل على تأمينها والحفاظ عليها من خلال تنفيذ توجيهات ضباط الارتباط الصهاينة الذين يُديرون غرف العمليات الخلفية ” للدولة الإسلامية ” ويُحددون لها حدود صلاحياتها والمناطق التي يُمكنها الوصول إليها ، والمؤكد لذلك هو تمرير صفقات النفط عبر الأنابيب التي تُسيطر ” داعش ” على أجزاء هامة منها.

  لا نعتقد بأن الإدارة الأمريكية بشقيها الديمقراطي  والجمهوري تقف ممانعة  لقرار استقلال إقليم كردستان ، لكنها لا تُريد إعطاء مبرر لحلفائها في المنطقة بالانقلاب على سياساتها التخريبية،  وأوكلت المهمة إلى العصابات الإرهابية المتنوعة للقيام بتقسيم المنطقة كلها إلى كنتونات متبيانة ومتناحرة انطلاقاً من العراق الضعيف.

     محمد عبد الكريم مصطفى