مساحة حرة

جنيف 8.. محطة تعطيل؟

على الرغم من قناعة الحكومة السورية بعدم جدية المحور المعادي لسورية في الوصول إلى حل فعلي لإنهاء الحرب الظالمة التي فرضت على الدولة والشعب السوري سواء عبر اجتماعات جنيف أو غير جنيف، لكنها لم تتأخر في الحضور والمشاركة بنية حسنة وصادقة مع علمها المسبق بحجم التآمر عليها من قبل الإدارة الأمريكية السابقة والقائمة ومعرفتها بالدور القذر الذي يلعبه عملاء أمريكا وأدواتها في المنطقة في إطالة أمد الأزمة السورية من خلال دعم الإرهابيين بكل الوسائل الممكنة بما في ذلك التدخل الإسرائيلي المباشر لرفع معنويات عملائها المنهارة، ومع ذلك لم تزل الحكومة السورية تتمسك بكل بارقة أمل وأي مبادرة من أية جهة كانت تحمل في طياتها الوصول إلى حل سياسي يُنهي حالة الحرب ويوقف سفك الدماء البريئة مجاناً، بالرغم مما تحققه القوات المسلحة السورية من انتصارات كبيرة غيرت المعادلة على الأرض وحسمت الكثير من الجبهات بالتعاون مع الحلفاء، وبناءً عليه  حضر الوفد السوري الرسمي إلى جنيف وهو يتسلح بنية صادقة للدخول في مفاوضات جدية بالرغم من الشك بأن هذه الجولة لم ولن تكون أفضل من سابقاتها،حيث تم  تقديم أجندة ملغومة شكلاً وموضوعاً من قبل أطراف ما تسمى (المعارضة) مما أدى إلى رفضها شكلاً من قبل الوفد السوري دون البحث في حيثياتها، خاصة انه تم فيها استبعاد المعارضة الوطنية الداخلية وبعض الأطراف أو المنصات “المعتدلة والواقعية” من تشكيلة وفد “المعارضة” الذي جاء أساسا محمِّل بالتعليمات السعودية تحت ما عرف ببيان “الرياض 2” العقيم المضمون الذي يُعيد الكرة إلى بداية الطريق المسدود وهو مرفوض جملةً وتفصيلاً،  وهذا ما يؤكد رؤيتنا الأولية عن دور وأهداف المبعوث الأممي غير النزيهة والمنحازة لجهة محددة وهو يعمل في العمق كمبعوث أمريكي بامتياز متناسياً بأنه يُمثل الأمم المتحدة وبالتالي عليه العمل منطلقاً من أدبيات ومفاهيم ميثاقها العام وقانونها المحايد في الأزمات الدولية، بل إن تحركا في الخفاء والعلن جاء مثبتاً على أنه مكلف أمريكياً بقيادة الوفد (المعارض) العميل للمحور المعادي لسورية.

كما أن الدعوة إلى هذا اللقاء جاءت في وقت غير مناسب بهدف تعطيل وإفشال اللقاء الذي كان مقرراً في الثاني من الشهر الجاري، والذي من المفترض أن يتم فيه إجراء حوار واسع بين أطراف وأطياف الشعب السوري للخروج برؤية مشتركة تُعطي الإطار العام لبناء سورية الحديثة على أن يُعقد هذا اللقاء الحواري السوري – السوري في سوتشي الروسية وبعده تستكمل بقية الاجتماعات في سورية، لكن حضور الوفد الرسمي السوري إلى جنيف كان بمثابة الضربة القاضية التي عطلت الفخ الذي نصبه “دي مستورا” للحكومة السورية  لصالح ما يُسمى بوفد (المعارضة) وذلك من خلال طرحه ورقة غير الورقة التي تقدم بها الوفد الحكومي منذ آذار الماضي وتجاهلها الممثل الأممي عمداً مرتكباً بذلك مخالفة صريحة لدوره ومهمته المحددة، وانطلاقاً من حرص الحكومة السورية على تفعيل المسار السياسي والدبلوماسي لوضع نهاية للازمة ومنع السير في مشاريع تخريبية جديدة تم الرد المناسب على الممثل الأممي بالطريقة الملائمة من أجل التقيد بمهمته وعدم تجاوز الخطوط العامة التي تتعلق بالسيادة والاستقلال وبسلامة الأراضي السورية وبانتصارات الجيش العربي السوري العظيمة التي حققها في الميدان على التنظيمات الإرهابية وساهمت بهزيمة الدول التي تقف خلفهم، مؤكدة بذلك عدم السماح لأي كان بتجاهل التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب السوري وجيشه الباسل لتحرير الجغرافيا السورية من رجس الإرهاب.

في النتيجة تُثبت الإدارة الأمريكية من جديد عدم مصداقيتها أمام المجتمع الدولي بتنصلها وعدم التزاماتها بالاتفاقات التي تبرمها مع شركائها الكبار، وهي تستمر بسياساتها المراوغة والكيل بمكاييل متنوعة تنسجم مع أطماعها وجشعها الاستعماري المتجدد، متجاهلة بان الزمن والواقع الميداني على الساحة الدولية لم يعد  طواعية أمرها وهناك أنداد لهم رأيهم وقرارهم في مستقبل ومصير العلاقات الدولية  وهم حريصون على احترام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، ونؤكد بان الحرب على سورية وفشل المشروع الأمريكي وهزيمته في سورية كانت البداية الفعلية لهذا التغيير الاستراتيجي في العلاقات وموازين القوى على الساحة الدولية، وساهم في الحد من الغطرسة الأمريكية وتفردها بالقرارات الدولية .

ما نريد أن نقوله وبشفافية مطلقة هو أن القيادة في سورية وعلى رأسها السيد الرئيس بشار الأسد تتمسك بقوة ودون مساومة تحت أي ظرف باستقلال قرارها السياسي والحفاظ على مشروعها الوطني الناظم لعمل الدولة ومؤسساتها وفي مقدمته تنفيذ الدستور العام للدولة بدقة متكاملة، كما تفتح في الوقت ذاته الباب أمام أي حل سياسي ضمن هذا الإطار الموضوعي الضامن لوحدة الأرض والشعب والجيش العربي السوري الباسل.

 

محمد عبد الكريم مصطفى