ثقافة وفن

على شط اللاذقية..الرمال تتحول لمنحوتات فنية بأبعاد انسانية

ثلاث عشرة منحوتة كانت بانتظار زوار المعرض الختامي للملتقى الاحترافي للنحت على الرمل الذي استضافه مجمع شاطئ النخيل في مدينة اللاذقية على مدى أسبوع كامل بذل فيه المشاركون أقصى جهدهم للتعاطي مع مادتهم ذات الطابع السهل الممتنع لتطويعها وتشكيلها فنيا لتعبر عن مكنوناتهم وخوالجهم.

التأكيد على أهمية إقامة مثل هذه الملتقيات لبث رسائل سلام من الفنانين السوريين إلى كل بقاع العالم كانت الهدف الذي أجمع عليه النحاتون الذين رأوا في تشكيل كتلهم الرملية فعلا مقاوما للقبح والذبح والتنكيل الذي تمارسه التنظيمات الإرهابية في سورية. كما أنها فرصة للحوار الثقافي البناء ولاسيما أن أغلبية المشاركين هم من فئة الشباب خريجي كلية الفنون الجميلة الذين لديهم من الحماس الكثير لإثبات أنفسهم على الساحة التشكيلية السورية.

وهو أمر أشار له الفنان منتجب يوسف الذي أنجز قطعة فنية جسدت الحرباء بحجم ضخم يحمل من التفاصيل الفنية ما يحمله. فمنتجب اشتغل على التكوين والحركة بشكل دقيق لا يخلو أيضا من البساطة والوضوح.

السينوغرافيا والمسرح التي يتخصص بها الفنان نزار البلال ظهرت آثارها بشكل جلي في منحوتته بوجوهها الأربعة التي برزت في ثنائيتها الأولى أقنعة المسرح المعروفة بالوجهين الضاحك والباكي لتكون الثنائية الأخرى عبارة عن حالتين إنسانيتين لرجل وامرأة طرحهما بلال بشكل مباشر على اعتبار أن الرمل يحتاج هذه الخاصية لتكوينه. بالإضافة للعناية بالزوايا والميول التي درسها بعناية فائقة لتجنب الهبوط والمفاجآت.

وقال “نحن لا نعمل من أجل الديمومة فهذه المنحوتات ستفنى جميعها بعد مدة لكننا نعمل لأجل التفاعل مع الجمهور في فضاء فني مفتوح وإيجابي”.

الحيوانات البحرية والبرية حضرت ضمن مواضيع المشاركين فالشابة لجين حمدان أبدعت في إظهار تفاصيل الفيل الذي تحبه كحيوان بري واستطاعت التحايل على الكتلة المنسابة لتشتغل على تفاصيل الحيوان المختلفة، مبينة أنها تعاونت مع المشاركين لتجاوز عدد كبير من مشاكل العمل على الرمل ما أتاح المجال لتبادل المعلومات واكتسابها.

أما الفنانة فاطمة عثمان فتناولت في عملها مفهوم الحياة ما بعد الموت الذي آمن به الفراعنة القدماء فعملوا على تزويد موتاهم بالأطعمة اللازمة لهذه الحياة وظهر ذلك بجسد إمرأة متوفاة وقربها جاريتها التي تجهزها لهذه الحالة، موضحة أن العمل على هذه المنحوتة استهلك منها طاقة جسدية كبيرة لترطيب ورص الرمال لكنها بعزيمتها وإصرارها استطاعت تشكيل الفكرة التي قررت تنفيذها بعد بناء كتلتها وتحضيرها.

الارتباك الذي كان واضحا على الفنان صلاح الدين الجاسم زال مع أيام الملتقى لتظهر منحوتته بين أقرانها قوية صامدة بعد سيطرته عليها واشتغاله بها بشكل عميق مصورا العودة لرحم الأم في إشارة للرغبة العارمة لديه للعودة لأيام ما قبل الأزمة في سورية وعيش الصفاء والاستقرار الذي كنا نحياه .

وقال “سيطرت على الكتلة بعد محاولات للتعاطي معها دامت ثلاثة أيام للوصول إلى حالة التماسك والصلابة المرجوة وكتجربة أولى أراها جيدة ومحفزة للتكرار في مواسم قادمة من الملتقى”.

في السياق نفسه قدم الفنان مصطفى علي صاحب غاليري مصطفى علي بدمشق الجهة القائمة بالملتقى تعريفا بالجهات التي تعاون معها لإنجاز الحدث وهي جمعية نحنا الثقافية وهيئة مارافارم السرياني للتنمية اللتان قدمتا التسهيلات اللازمة لإنجاز الفعالية، مشيرا إلى تطور تجربة الملتقى الاحترافي بنسخته الثالثة من ناحية التنظيم والخبرة التراكمية المكتسبة لدى النحاتين والقائمين على إطلاقه عاما بعد آخر.

وأكد علي أن وجود أجيال من النحاتين يعملون معا في موقع واحد سيمكن الجميع من فهم مادة الرمل بشكل أكبر واكتشاف خصائصه القابلة للتشكيل بسهولة تماثل قابليته للزوال والذوبان في موج البحر.

وتابع علي “سنعمل في النسخ القادمة من الملتقى على استضافة فنانين من خارج سورية بحيث نتيح فضاء رحبا للتحاور بين فنانينا المحليين وآخرين عالميين لننقل رسالة سلامنا الصادق كسوريين محبين لهذه الارض ومرتبطين بها”.

يذكر أن الملتقى أقيم على مدى أسبوع من ال14 وحتى ال21 من الشهر الجاري برعاية وزارتي السياحة والثقافة واندرج ضمن مشروع أبيض للسلام الذي أطلقته جمعية نحنا الثقافية ونفذت خلاله عدة فعاليات متنوعة.

واستضاف الملتقى لهذا العام كلا من نزار البلال وفاطمة عثمان ومنتجب يوسف وسالي ارسوزي وسامر الروماني ومروى سليمان وقصي النقري وتمام ابو عساف ولجين حمدان ويامن يوسف ونورا حداد وصلاح الدين الجاسم وولاء كاتبة وعلي الشيخ.