مساحة حرة

قمة نيويورك .. وضربات القيصر الموجعة

ضربات موجعة وتحت الحزام وجهها قيصر الكرملين إلى خصومه في عقر دارهم في نيويورك وفند حججهم وذرائعهم المزيفة وأوجع ضرباته كانت بهدم جبل الأكاذيب الأمريكي حول المعارضة المعتدلة عندما قال أن ما أسموه معارضة معتدلة لا يختلف جوهريا عن تنظيم داعش وواجه انقلاب المواقف والتلاعب من هولاند واوباما بالقول انهما ليسا مواطنين سوريين لسورية وان لا خيار أمام الغرب سوى التعاون مع الرئيس الأسد .

بالطبع ما كانت قمة نيويورك لتعقد بهذا الزخم وعلى رأس جدول أعمالها إيجاد  حل للازمة في سورية وما كان هذا التراجع الملحوظ في المواقف الغربية التي كانت إلى الأمس القريب بمنتهى التعنت لولا صمود الشعب السوري وتضحيات جيشه الأسطورية وفشل كل محاولات كسر إرادتهما طوال أكثر من أربع سنوات وهو الذي أسس لاستمرار دعم حلفائها وعدم التخلي عنها وسقطت كل المراهنات التي راهنت على عزل سورية عن حلفائها وكان الدعم يتزايد كلما زاد تصميم السوريين على المواجهة والتمسك بالمحافظة على وطنهم ودولتهم ومؤسساتها وساعدت بطولات الجيش والشعب في تمكين حلفاء سورية من إفشال خطة أمريكا والغرب في تكرار السيناريو الليبي والفيتو المزدوج الروسي الصيني أكثر من مرة الحق الهزيمة النكراء بهذه الخطة المجرمة.

وما كانت واشنطن لتقبل بالدور الروسي لولا إخفاقاتها المستمرة في تحقيق أية انجازات ملموسة من خلال الحرب العدوانية الإرهابية على سورية فضلا عن أن سيد الكرملين فرض نفسه كلاعب لا يستغنى عنه لحل الأزمات المعقدة عندما نجح في مسالتين شائكتين للغاية الأولى نزع فتيل معضلة السلاح الكيماوي السوري التي كادت أن تشعل المنطقة والثانية نجاح الدبلوماسية الروسية في التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني الذي كان مشكلة المشاكل بين إيران والدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وهذا النجاح مضافا إليه حركة الاصطفافات الدولية إلى جانب موسكو التي استطاع انجازها الرئيس بوتين بما فيها تقرب دول محسوبة على  طرح مبادرات الحل بقوة متمتعا بمصداقية عالية فقدتها إدارة اوباما.

لقد جاء الزخم الروسي عسكريا وسياسيا بعدما استُنفدت كل الوسائل الآيلة إلى إسقاط الدولة السورية، وهذا ما جعل التدخل الروسي المباشر على خط الأزمة امرأ واقعا ،  فاضطرت الدول الشريكة بالعدوان الى التراجع عن مواقفها تدريجيا، لاسيما في شأن تنحّي الرئيس بشار الأسد، حسب ما أعلن مؤخراً وزير الخارجية الأميركية جون كيري: “إن مسألة تنحي الأسد ليست بالضرورة الآن”، كذلك فرنسا، فقد قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس لصحيفة “لو فيغارو”، إن بلاده لن تطالب برحيل الرئيس بشار الأسد شرطاً مسبقاً لمحادثات السلام.

ويمكن القول أن الرئيس فلاديمير بوتين سواء نجحت مبادرته في قمة نيويورك أم وضعت العراقيل أمامها إلا انه حقق نصف انتصار على الأقل قبل أن يجلس وجها لوجه مع اوباما فهو قد اخذ زمام المبادرة في محاربة داعش عندما طرح تشكيل جبهة دولية جديدة لمواجهتها كبديل حتمي  للتحالف الدولي الفاشل بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وفرض وجهة نظره أن تكون سورية المحور الأساسي فيها كما فرض اعتراف الدول الغربية قاطبة بشراكة الرئيس الأسد في حل الأزمة في سورية  وبرهن بالأفعال وليس الأقوال جدية روسيا في سحق تنظيم داعش من خلال رفع مستوى الدعم العسكري النوعي للجيش العربي السوري والجيش العراقي لاحقا ولامناص بعد الحضور العسكري الروسي المكثف  شرق المتوسط من السير مع موسكو إلى النهاية وطي صفحة التفكير بعزلها أو استبعادها كما جرى منذ بداية تفاقم ظاهرة داعش فلم تعد روسيا دولة ً إقليمية كبرى كما يصفها الأمريكان, بل باتت الدولة العظمى , التي تفرض خطوطها الحمراء, و تتخذ القرارات دون موافقة أحد .. فإذا كانت سورية مفتاح عودة روسيا القطبية.. فهي الآن بوابتها الواسعة لرد الدين وإعادة الاعتبار لروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

وما من شك أن قمة نيويورك ستؤسس لمرحلة دولية جديدة ويكون ما بعدها ليس كما قبلها لجهة  التأكيد على اختفاء ظاهرة القطبية الأحادية وانعدام قدرة واشنطن بعد الآن على التحكم والانفراد بالقرارات الدولية أو فرض الحلول أحادية الجانب في الأزمات الدولية وقد يشكل الحل في سورية إذا ما سارت الأمور بهذا الاتجاه الايجابي نموذجا للحالات الأخرى مثل الأزمة الأوكرانية والأزمة اليمنية والليبية وحتى الكورية فيما يؤكد ما قيل  سابقا عن تاريخية الاتفاق النووي الإيراني كونه  سيفتح الطريق أمام حل المشكلات الدولية الأخرى المستعصية .

ما يفسد هذا التفاؤل التجارب السابقة مع الإدارات الأمريكية التي كانت تصافح بيد وتخفي فة التحضير لطرح مبادرته من على منبر الأمم المتحدة .. رأينا جون كيري يسارع إلى الإعلان عن مبادرته الخاصة و الجديدة بهدف تعطيل زخم مبادرة بوتين وان عمل على مناقشتها مع الوزير لافروف, قبل طرحها رسميا ً, وهي تتعلق بضم  روسيا إلى التحالف الدولي بالقيادة الأمريكية  وهو ما رفضه بوتين فورا وكان البديل إنشاء غرفة عمليات مشتركة في بغداد بقيادة روسية تضم إيران وسورية والعراق بالإضافة الى روسيا.

في مطلق الأحوال أن قمة نيويورك ليست حدثا دوليا عابرا ونتائجها تحمل الكثير من المتغيرات على الصعيد الدولي والإقليمي ولأول مرة يتم تسليط الضوء على الأزمة في سورية بشكل جاد كما انه لأول مرة ينظر إلى إيجاد حل لها بعيدا عن تزييف الواقع  بنكران دور الإرهاب فيها بل هناك إجماع دولي على موافقة سورية على ما كررته ولم تمل ألا وهو أن الأولوية هي للقضاء على الإرهاب وعليه بدا يتزايد كل يوم لدى خصومها الاعتراف بان الطريق الوحيد لنجاح أي تحالف دولي في الحرب على داعش والعصابات الإرهابية الأخرى  يمر عبر دمشق وهذه أولى الخطوات الضرورية واللازمة لوضع عربة الحل للملف السوري المستعصي على السكة الصحيحة.

 

د. تركي صقر