الشريط الاخباريمساحة حرة

مجلس التعاون.. لا تعاون

بالتأكيد هو عالم يتغيّر، وبالتالي ثمة بيئة جيوسياسية إقليمية ودولية جديدة تتشكل وتتكوّن، وبالتأكيد أيضاً فإن عاصفة التغيير ستضرب الجميع، بهذا المعنى ليس شيئاً مفاجئاً أن يبدو مجلس التعاون الخليجي، وبعد 32 عاماً على إنشائه، وكأنما قد بدأ بالتهاوي.

وبالطبع لا بد في هذا المجال من التأكيد على نقطتين، الأولى والأهم، أن ذلك لا يسرنا كثيراً، فقد، كنا وما زلنا مع أي صيغة وحدوية، أو أي تجمع عربي، مهما كانت أسباب نشأته وأهدافه، فربما انقلبت يوماً ما بقيادات جديدة ومتنورة إلى نواة لمشروع الوحدة الأكبر، والنقطة الثانية، أن هذه القراءة لا تعني أن المجلس سينحل اليوم أو غداً، لكنها تقول بصورة واضحة: إن عدم فهم قادته، أو عدم قدرتهم الموضوعية والذاتية على مواجهة التغيّر والتغيير، ستجعل منه، حتى لو دام واستمر، مجرد هيكل فارغ دون مضمون أو تأثير حقيقي على الأحداث المتسارعة ليس حوله فقط، بل وفي قلب دوله أيضاً.

والحقيقة أن المجلس الذي أنشأ عام 1981، وجد لتحقيق أهداف عدة مترابطة ومتشابكة، تجمعها جملة واحدة، مواجهة أي نزوع تحرري يبحث عن القرار المستقل، سواء كان عربياً أم إقليمياً، بهدف واحد: الحفاظ على الكراسي المذهّبة لحكام تلك الممالك والمشيخات، وبذلك يكون من نافل الكلام الحديث عن التبعية الكاملة لواشنطن عالمياً، وعن العداء غير العقلاني لإيران وثورتها إقليمياً، وعن موقف المجلس السلبي والتاريخي، بالمعنى الزمني، من المقاومات العربية، والتي تحمل لواءها سورية، قومية كانت أم إسلامية أم يسارية، ضد “إسرائيل”.

بيد أن التطورات الأخيرة، إقليمياً وعالمياً، وضعت المجلس، مثل كل التكتلات المتشابهة، أمام منعطف كبير وخطير في الآن ذاته، فموقع إيران، يتعزّز، والخلاف مع واشنطن، الخارجة من المنطقة، يتفاقم، والتحديات الداخلية تتعاظم، لذلك جاء مشروع “الاتحاد الخليجي” كمحاولة لمواجهة هذه المآزق المتنوعة، وإذا كانت الأمور بمقدماتها كما يقال، فإن الفشل يبدو مصيراً منطقياً له، كونه، وعلى ما يبدو، مجرد ستار جديد للسياسات القديمة ذاتها، وهو أمر لم يخفه وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، حين قال: إن “مصدر القلق الفعلي يكمن الآن بين السعودية وإيران”، وكأنما لا تحديات أخرى يجب مقاربتها بعقلية جديدة، يبدو أن البعض يمتلك مناعة طبيعية ضدها.

والحال فإن الرفض العلني لسلطنة عمان، والضمني لغيرها، “للاتحاد” جاء كاشفاً لتناقضات داخلية بين دول المجلس، ليس أقلها التفاوت في الموقف من إيران بعد الاتفاق النووي الجديد، أو الخلافات المستجدة حول مصر وسورية مثلاً، أو حتى الخلافات المستمرة جراء قيام بعض دوله بدعم المعارضة في دول أخرى، وصولاً إلى التفاوت الواضح في الحالة السياسية والثقافية والاجتماعية بين دوله ذاتها، والتي تبدو مهددة، إذا قام “الاتحاد”، جراء نزعة الهيمنة السعودية المتوحشة على الجميع.

لكن تحدياً آخر يلوح بالأفق، فإذا كانت هذه المشيخات والممالك تتشابه فيما بينها، فضلاً عن امتلاكها المال الوفير، بأمور عدة، هي بحسب المحلل السياسي حسام مطر: “اقتصاد ريعي مشوّه، علاقة متوترة باطراد بين المجتمع والدولة، نموذج منفر، شرعية متناقصة، عصبية متراخية، اهتزاز سلطوي، بالتوازي مع عدائية مفرطة وتحالفات هشة في الإقليم”، يبدو أن قيادة السعودية لهذا المجلس-وهي التي يقودها تحالف العائلة والتكفير- تشكل نقطة سلبية أخرى، ففي عالم ينتقل من الأحادية إلى التعددية في قيادته، أصبحت مكافحة الإرهاب أولوية، والجميع، بما فيه واشنطن، أصبح يجاهر بكون الإرهاب خلاصة للفكر الوهابي السعودي وأدواته الإجرامية، فكيف يمكن للمجلس مواجهة هذه المعضلة المتزامنة مع خروج واشنطن، راعيته الكبرى، من المنطقة؟، وهل يكون ذلك عبر الاستمرار في تأجيل انفجار تناقضاته الداخلية بتوجيهها للخارج كما يفعل الآن؟، طبعاً هذا ممكن مرحلياً، ولكن إلى متى؟.

أحمد حسن-البعث