ثقافة وفن

مديرة «جفرا» للنشر: الكتاب الجيد يسوق لنفسه ولكن..

كنت أمام خيار إمّا أنّ أجتهد في برنامج دار “جفرا” أو أن أبقى مع ابنتاي أرعاهما دون تقصير، والاختيار على قدر صعوبته كان سهلاً.. لم أتمكن الالتفات إلا لابنتي بالتأكيد. رغم أن الموضوع يزعجني كثيراً لدى التفكير به.. لأنّني لا أعرف إلا مهنة الكتاب..

كان هذا مطلعٌ من حوارنا مع مديرة دار “جفرا” للطباعة والترجمة والنشر السيدة فوز أحمد.. حديثنا شمل كثير من النقاط التي تهمّ القارئ والمثقف العربي.

أوّل امرأة تحصل على ترخيص لدار نشر في سورية

عشت في جيل أحبّ القراءة، جيل السبعينات والستينات وحتى الثمانينات وليس كأجيال اليوم، أنا أذكر أنه كان من الواجب أن تطالع الكتب يوميا، ومن المخجل ألا تكون قد قرأت كتاباً مهماً صدر حديثاً، ودون مبالغة كان من المخجل أن تظهر بين الناس وأن لم تقرأ بعد هذا الكتاب.. لربما الموضوع كان مزعجا ولكن كان هكذا حالنا.

حملتني ظروف الحياة على تأسيس دار “جفرا”  للطباعة والترجمة والنشر، ومع مرور الوقت تفاجئني الصحافة بعبارة أنني “أول امرأة تحصل على ترخيص لتأسيس دار نشر باسمها”.. في الحقيقة إن الموضوع لا يعنيني كثيراً، المهم بالنسبة لي أنني استطعت خلال  23 عاماً ترجمة وطباعة مجموعة من الكتب ولأسماء مهمة عالميا كإيزابيل الليندي، وغابريل غارسيا ماركيز، وأنطوني سكارنيتا… وغيرهم.

آلية الانتقاء

1617279_10151810259691511_1086523149_o

حتى أنتقي الكتاب السليم، يجب أن يبنى على قناعة، وأن يكون التميز أحد الأسباب لاختياره فألجأ فوراً لباحثين في نفس المجال، ودائماً الاختصاصات حالة مهمّة.

الكتاب المهم  يسوّق نفسه، بغضّ النظر عن ثقافة المسوقين وتجار الكتب، ومع ذلك كنت أعاني من اقناع الناس بأهميّة الكتاب المنشور حديثاً، وأذكر أنني قمت بنفسي على مسألة اقناع أصحاب المكتبات لدى تسويق كتاب للكاتبة فيرجينيا وولف وأهميّة ما تكتبه، وبصعوبة كبيرة اقتنع البعض، ولكن فيما بعد نشر غابرييل ماركيز مقالته، وقال فيها: “إن من علمني الكتابة هي فيرجينيا وولف، والكتاب الذي جعلني أقرأ بعنوان السيدة دولوي”. حينها عملت مع  فريق العمل على الترويج لما قاله ماركيز عن فيرجينيا وطبعاً،  علما أنني كنت قبل ذلك بكثير قد نشرت كتابها نفسه بالعربية، وعلى مدى عشر سنوات وأنا أقنع الناس بذلك، وبعدها تمّ عرض فيلم ” the hours ”  أصبح الناس يطالبونني بإعادة طباعة الرواية بعد مرور 10 سنوات!

 فهل من المعقول تحويل كل كتاب إلى فيلم حتى تقتنع الناس بأهميته. وبالمناسبة هناك قسم من الروايات التي تمت ترجمتها إلى العربية في الدار تم تحويلها فيما بعد إلى أفلام سينمائية.

كتاب الجيل السابق كانوا مفارق ضرورية في حياتنا

سابقاً كان محمد الماغوط يوميّا معنا وكذلك عبد الرحمن منيف، وجبرا ابراهيم جبرا، ومحمود درويش وغيرهم الكثير وكان هناك أسماء من الضروري أنّ يمر المرء عليها كما الواجب المقدس مثل ميخائيل نعيمة وكوليت خوري وجبران خليل جبران وإدوارد سعيد …. وكأنهم مفارق ضرورية جميلة وصحيّة.

في روسيا يمجدون إلى يومنا هذا أعظم كاتب في تاريخ البشرية (دويتوفسكي)، ويحتفلون ويعيدون إحياء مآثره، بينما نحن اليوم بالقياس فشارعنا نسي هؤلاء العظماء؛ بالرغم من أنّهم لم يرحلوا من فتراتٍ طويلة!

والكاتب العربي اليوم يكتب باستهتار ويأس، وهناك نوعيّة تهتم فقط بالجمع والالتقاط من هنا وهناك! ولكن للأمانة هناك كتّاب سوريون يحققون اليوم أرقام عالمية وعربية. وقد قرأت رواية (ذاكرة الجسد) قبل شهرة صاحبتها فقارنتها مع كتابات وروايات من سبقوها، فلا شبه وشتان بين الماضي والحاضر، ومع ذلك من اللطيف دور كتب (أحلام) التي أحبّها الجيل، فليقرؤا! وأذكر أحدّ المشاهد الطريفة في منطقة (باب توما) بدمشق وبالقرب من النهر إذّ كان هناك بسطة عليها جوارب يقف أمامها البائع ينادي عليها وإلى جانبه بسطة ثانية وكتاب (الأسود يليق بك) مكومٌ عليها.

لكن ظاهرة (باولو كويللو) تمنحنا بعض التفاؤل، فالناس لدينا تقرأ له وتشجّعنا على التفاؤل حقاً.

ما الحل لتذوق القراءة؟

عندما يظهر مسلسل كـ”باب الحارة” فإنه يسيطر بسطحيته على أدمغة الجيل الجديد في الوطن العربي، للأسف هذا الجيل لا يعنيه الكتاب ولا يهتم للمطالعة، ولا بصدور كتاب!!  ماركيز أصدر كتابا بمثابة تحقيق صحفي “خبر اختطاف”  أصدره يوم عيد الأمّ؛ وتشير الأخبار  حينها بأنه من الساعة 12 وحتى 2 ظهراً بيع أكثر من 20 ألف نسخة منه في بلده، فالناس هناك اشترت الكتاب كهدية في العيد، فهذه دلالة كبيرة على وعي شعبه.

لا شيء يقاوم التلفزيون والإنترنت لدينا، فيجب البحث عن صيغة لإدخال الموضوع إلى داخل دماغ العربي من خلال البرامج، ومن خلال الشخصيات المشهورة، كالفنانين في الدراما السورية مثلاً، والتأثير على شارعنا من خلال شخصيات حقيقية محبوبة لدى الجميع بالحديث عن الكتب أو الروايات الحديثة والترويج للمسألة بحبّ.

استبشر خيراً

بدأت عقدة المسرح اليوم تنفك في سورية، فالكثير من الناس ترتاد المسارح والنسبة في ازدياد بعكس القراءة والمطالعة.. ربما تكون “المقاومة” الشبابية المستقبلية متمثلة في المسرح وفنونه وأعتقد أنها مقدمة تبشر بالخير للعودة إلى عادة القراءة.

البعث ميديا – عامر فؤاد عامر