مساحة حرة

أمريكا … ولحظات النفس الأخير في سورية

بعد تبدّد الغبار الداعشي الذي شكلته الرياح الأمريكية بعواصفها الاستخباراتية، ما تزال أمريكا مصرّة على الخروج بمنفعة ما ضد سورية بعد جهودها التي باءت بالفشل. فاليوم تلجأ أمريكا للأكراد كموضع أمل على أنهم ورقة ضغط يمكن الاستمرار في المساومة عليها، فالدعم العسكري مازال مستمراً رغم معرفتهم الدقيقة بعدم قدرتهم على تشكيل دولة أو أي كانتون صغير في سورية التي قاومت دول عالمية بأجمعها عبر سياسة شق الصفوف التي أدت إلى زرع بزور انقسام عالمي اسقط حالة القطب الوحيد إلى عالم بمحورين كانت موقع سوريا فيه نقطة الدائرة التي أكمل منظرها الفرجار الروسي بحركة الدائرية التي جمعت الدول التي أدارت ظهرها لأمريكا وأدواتها.

في مقال نشر يوم الخميس الماضي أشارت صحيفة “واشنطن بوست” نقلا عن مصادر رسمية أنّ السلطات الأمريكية أعلنت أنّها لا تنوي سحب قواتها العسكرية من سورية حتى بعد القضاء على تنظيم داعش” بالكامل وذلك بهدف الاستمرار في ممارسة الضغوط على سورية قيادةً وشعباً.

وبغضّ النظر عن نوايا واشنطن بحديثها عن نيتها زيادة عدد قواتها في سورية، فالقسم الواعي من السوريين يعلمون جيداً أنّ المستهدف من بقاء الأمريكيين هو سورية الدولة التي تحقق اليوم انتصاراً فعلياً على مؤامرة قذرة استهدفتها طيلة ستة أعوام ونيّف.

ما يهمّنا اليوم من كلّ هذا هو أنّ سورية استطاعت خلال هذه المرحلة وبعد أكثر من ستة أعوام على الحرب عليها، أن تستوعب حرب أميركا وحلفائها، وهي حرب متعدّدة الوجوه والأشكال والفصول، وذات أوجه وأهداف عسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية، ومع انكسار معظم هذه الأنماط من الحرب على أعتاب الصخرة الدمشقية، وفي هذه المرحلة تحديداً يطلّ علينا يومياً مسؤولون وساسة وجنرالات غربيون وإقليميون، يتحدثون عن تعاظم قوة الدولة السورية بعد مراهنتهم على إسقاطها سريعاً، فالقوى المتآمرة على الدولة السورية بدأت تقرّ سرّاً وعلناً في هذه المرحلة، بأنّ سورية قد حسمت قرار النصر وبدعم من حلفائها الروس والإيرانيين وغيرهم، فسورية الدولة اليوم تسير في طريق واضح المعالم لتكوِّن محوراً في المنطقة، رغم ما تعرّضت له من أعمال تدمير وتخريب وجرائم ارتكبت في حقّ شعبها من قبل محور العدوان.

إنّ تسارع الأحداث والتطورات الميدانية، وتعدّد جبهات القتال على الأرض والانتصارات المتلاحقة للجيش العربي السوري وما يصاحبها من هزائم وانكسارات وتهاو للإرهاب، من المؤكد أنه سيجبر آجلاً أم عاجلاً الكثير من القوى الشريكة في الحرب على سورية على تغيير موقفها من هذه الحرب والاستدارة نحو التفاوض مع الدولة السورية، في محاولة لتحقيق وكسب بعض التنازلات، لعلها تحقق ما عجزت عن تحقيقه في الميدان، وهذا ما ترفضه الدولة السورية اليوم وفي شكل قاطع، حيث تؤكد القيادة السورية والمسؤولون جميعاً، أنهم لن يقدّموا لأميركا وحلفائها أيّ تنازلات، ويقولون بصريح العبارة «إنّ ما عجزت أميركا وحلفائها عن تحقيقه في الميدان السوري، لن تحققه على طاولة المفاوضات»، ولهذا لن يفيد بعض الدول العربية والإقليمية الشريكة في الحرب على سورية التلويح بورقة العسكرة من جديد لأنّ سورية وحلفاءها قد حسموا قرار النصر ولا رجعة عن هذا القرار، مهما كانت التكلفة.

في الوقت الراهن تمّ ميدانياً حسم جملة معارك في عموم مناطق دير الزور وأخرها النصر الاستراتيجي في البوكمال، بالتزامن مع معارك خاضها وسيخوضها الجيش العربي السوري للإطباق على باقي حصون المسلحين الإرهابيين في ريفي حماة  الشمالي والشمالي الشرقي وحلب الجنوبي الغربي وبعمليات نوعية وخاطفة، ما سيمهّد الطريق مستقبلاً لتحرير مزيد من المناطق التي يتحصّن فيها المسلحون، وهذا بدوره سيفتح الطريق لإطلاق عملية كبرى بالمستقبل القريب لتحرير محافظة إدلب.

ختاماً، في هذه المرحلة من المؤكد، أنّ صمود سورية هو الضربة الأولى لإسقاط كلّ المشاريع والتحالفات الباطلة التي تستهدف تقسيم المنطقة، وحسب كلّ المؤشرات والمعطيات التي أمامنا ليس أمام الأميركيين وبعض حلفائهم من العرب اليوم سوى الإقرار بحقيقة الأمر الواقع، وهو فشل وهزيمة حربهم على سورية والاستعداد لتحمّل تداعيات هذه الهزيمة.

ساعود جمال ساعود