line1مساحة حرة

معركة المصير.. والروح المعنوية

كثيرة هي وواسعة تطلعات الوطنيين والعروبيين والتقدميين المقترنة بآمال كبيرة معقودة على صمود سورية وهي تخوض معركة المصير والهوية والمستقبل ضد وحوش العصر الذين لا يلقون الدعم من نظام أردوغان وآل سعود وآل ثاني فحسب، بل هم منخرطون مباشرة في تنفيذ استراتيجية المشروع الصهيوني المنطلقة أولاً من إضعاف المشروع الوطني العروبي المقاوم الصامد.
تدرك سورية منذ زمن ليس بالقصير، أن المعارك الكبرى، والقضايا الكبرى تحتاج إلى تضحيات كبرى، ودفع أثمان باهظة كالتي تدفعها اليوم بشجاعة ليست طارئة. فصراع بهذا الحجم لا بد أن ينطوي بأهدافه المتباينة، وتناقضاته الأساسية على معارك محتدمة فيها كرّ وفرّ، وموضوعياً ومنطقياً ربح وخسارة أيضاً، وهذا طبيعي، لأن المعركة -كما أكد الرئيس الأسد أكثر من مرة- طويلة، وأهدافها ووسائلها ليست بسيطة، لأنها ترمي إلى استهداف العروبة والأوطان كهوية، ودور، وشخصية، ومستقبل أيضاً.
فالجيش الذي يخسر معركة هنا وهناك، هو الذي يُحبط مشروعاً كبيراً، ويستمر في نجاحه بصموده وتماسكه وضرباته السديدة التي تقوّض على الدوام استراتيجية التحالف التركي الرجعي العربي الصهيوني الآيلة إلى الخذلان والاستنكار.
هذا الجيش هو الذي يؤكّد أن استراتيجية هذا التحالف غير قابلة للتحقّق أبداً، فالتقدّم قصير الأجل الذي تحرزه أحياناً لا يكسبها إطلاقاً معركة المصير، فمشروعها ساقط، والباقي منه أدواته الخبيثة التي تتنقّل كالجرذان هنا وهناك تعيث فساداً وخراباً، وهي تتلقّى في الأيام الأخيرة ضربات قاصمة، ولن يكون الواقع الميداني في جسر الشغور وحولها من حيث خطة التحالف الثلاثي أفضل حالاً منه في كسَبْ العام الماضي، وغداً لناظره قريب.
واليوم تدخل معركة المصير منعطفاً معنوياً بهدف التأثير على روح الصمود النفسي، والقوة المجتمعيّة، والوحدة الوطنية. وهذا ليس جديداً، فقد بدأت المعركة من هذا المنعطف، وأدّت فيها وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات التضليل الإعلامي دوراً مؤثراً لا شك قبل معركة الميدان.
والدليل على سقوط هذا الرهان واضح من عدة جوانب أهمها حالات الإرباك والتخبّط والاقتتال والتشظّي، وإعادة التشكّل المستمرة للعصابات الإرهابية. فرغم الدعم الكبير الذي تتلقاه هي تخسر يومياً في العدة والعتاد، وفوق كل هذا تخسر بوحشيتها وجرائمها مشاعر الناس ليس في سورية فحسب بل في العالم أجمع.
فلا عاقل اليوم يرى أن هذه العصابات يمكن أن تبني مجتمعاً، أو مؤسسات، ولا أن تقود شعباً، أو ترسّخ سلطة يقبل بها المجتمع الدولي، أو شعوب المنطقة والعالم. وكل من يراهن على أنها يمكن أن تشكّل بنية حكم أو أن تكون طرفاً في حلٍ سياسي فرهانه مقترن لا شك بتدمير سورية ليس النظام السياسي، بل سورية التاريخ والحاضر والمستقبل، وهو بهذا يراهن على دمار المنطقة، بل العالم أيضاً، فسورية قلب العالم الذي لا يمكن أن يُهزم.
وبعد فشل الرهان على الميدان خلال أربع سنوات، يتجدد اليوم الرهان على ضرب المعنويات الوطنية العالية المعهودة، من خلال استهداف الثقة بالنفس أولاً، وبمؤسسات الدولة الوطنية كافة وفي طليعتها القوات المسلحة التي تنهض اليوم بدور إنساني ضد الوحشيّة والتكفير، إضافة إلى دورها الوطني والقومي.
إن الشعب العربي السوري الذي تشرّب وتشبّع بروح المقاومة والصمود والتضحية ضد المشاريع الصهيونية والرجعية العربية والأطلسية منذ زمن طويل، يدرك تماماً أهمية وضرورة هزيمة الأدوات الخبيثة لهذه المشاريع، كما يدرك أساليب الحرب النفسية باستهداف معنوياته العالية النابعة من تماسك وتلاحم الشعب والجيش والقيادة… وبعد ما مضى فلا مكان لديه للخوف، أو الشك، أو التراجع، ومعركته المصيرية شعارها أصيل: الشهادة أو النصر.
والنصر واضح… وقريب أيضاً. وماينتاب المواطنين من مشاعر مؤخراً ليس سببه الميدان، بل إدارة السوق.

 
د. عبد اللطيف عمران