line1مساحة حرة

مفارقــــات «الحـــل السياســـي»

لا شك في وجود اتجاه إقليمي ودولي للمتاجرة بالحل السياسي متجدّد الطرح اليوم، ولا شك في أن هذا الطرح سيشهد في القريب العاجل تسابقاً وتسارعاً للانخراط في تشعباته، فقد سبق تصريح كيري المدوّي لقناة CBS «علينا أن نتفاوض في النهاية» تصريحات ممهّدة له من قبل ديمسبي «بعدم القدرة على حماية المعارضة المعتدلة» ولروبرت فورد ولجون برينان، ولعدد من المسؤولين الأوروبيين بالتأكيد على ضرورة «الحفاظ على مؤسسات الدولة ومنع الإرهابيين من انهيارها». كما تلاه التصريح المهم لمفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني عن «استمرار التواصل بين المسؤولين السوريين والأوروبيين للبحث عن تسوية سياسية للأزمة» وكذلك تصريحات جورج ارنست الناطق باسم البيت الأبيض «أولوياتنا التعاطي مع الخطر الذي يمثله المتطرفون في سورية».
هذه التصريحات ليست زلّات لسان، بل هي مقدمات لمسارات جديدة في السياسة الدولية تجاه الأزمة في سورية، وهي صدى لبروز رغبة دولية شعبية ورسمية بضرورة التوجه نحو تعزيز الاستقرار والتعاون الإقليمي والدولي، بعد اليأس من مشاهد القتل والدمار والتكفير التي سببها دعم الإرهابيين، هذه المشاهد التي صار من الممكن أن تطال أقاليم عديدة في العالم.
في هذا السياق أكدت مراكز الأبحاث الاستراتيجية العالمية، وكذلك الواقع الميداني أن الخيارات التي أُعدّت لمواجهة فشل إسقاط الحكومة السورية ومن أهمها إنشاء جيش بديل «المعارضة المعتدلة» ليست مجدية على الإطلاق، خاصة بعد أن وقع السلاح المقدّم لها بسهولة في يد داعش والنصرة، هذا الفشل، وغيره كثير، هو الذي أدى إلى تظهير الحل السياسي، ومن هذا القبيل تأتي أهمية تأكيد كيسنجر في كتابه الصادر في أيلول الماضي «النظام العالمي»: “إن قوة الدول لا تأتي فقط من الاقتصاد، والجيش، بل أيضاً من قوة الأفكار التقليدية كالمبادئ والسيادة، والشرعية، وعدم التدخل”. وسورية دولة المبادىء والثوابت.
إذن، لم يأتِ الانعطاف الدولي اليوم في الحديث عن الحل السياسي للأزمة السورية مفاجئاً، ولا من فراغ، فهو بالدرجة الأولى وليد صمود وتلاحم الشعب والجيش والقيادة السورية، وهو بالدرجة الثانية نتاج فشل الرهان على الخيارات السابقة لأعداء سورية وفي طليعتها الحل العسكري، إذ أجهد هؤلاء الأعداء رهانهم على الإرهابيين والتكفيريين، وضاعوا بين المجموعات المسلحة، و«المعارضة المعتدلة» وائتلاف الفنادق والمطارات، والفشل في تطبيق قرارات مجلس الأمن 2170- 2178-2199.
فقد بدأ حديث الحل السياسي يشهد استقطاباً، وشجاراً، واصطفافات متعددة بين الأوروبيين والأمريكيين والرجعية العربية، وهو بهذا يشبه في بعض جوانبه الحل العسكري الذي لم تتوان هذه الأطراف عن دعمه خياراً أساسياً طيلة السنوات الأربع الماضية، فليست مسؤوليتهم بخافية على أحد في دعم الإرهابيين والتكفيريين بالمال والسلاح والعدة والعتاد، فماذا بعد أن بقيت مؤسسات الدولة الوطنية السياسية والعسكرية والخدمية صامدة تؤدي واجباتها؟ وماذا بعد أن تطاير شرر الرهان على الإرهابيين ليطال العالم أجمع؟
من هنا يكون الحل السياسي ضرورة حتى ولو أرهق دول الاستعمار القديم: فرنسا وبريطانيا وتركيا، وكذلك الرجعية العربية، وأثار لديها إشكاليات واضطرابات، لكن يبدو أن هذا الحل هو معركة أيضاً.
فليس هناك الآن ضمانات وطنية مجدية فيه، لأن الغرب في نزوعه نحو الحل السياسي للأزمات وخاصة في هذه المنطقة، يتجه نحو الوصول إلى دولة «وطنية» مهمّشة، لا تملك قراراً موحداً، ولا هدفاً وطنياً أو عروبياً مصيرياً أو مبدئياً، ولا سياسة خارجية مستقلة، دولة لا تستطيع مقاومة المشاريع المضادة. فغالباً ما ينشد الغرب حلاً تدخلياً خارجياً يصدر عن إلزام دولي. وهذا جميعه لا يمكن أن يحدث في سورية بعد هذا الصمود والتضحية والاتجاه نحو هزيمة الإرهاب والمؤامرة.
لذلك نجد الخطاب السياسي الوطني السوري اليوم بعيداً عن اللهجة الانتصارية، وهو مقترن بالواقعية، وبالصلة الوثيقة بين الحل العسكري والسياسي، فالحل هو أولاً وآخراً وطني من خلال الارتكاز على إرادة الشعب ووعيه ومصالحه «فأي شيء يأتي من خارج الحدود هو مجرد كلام… ولا خيار لدينا منذ اليوم الأول للأزمة إلاّ الدفاع عن وطننا» هذا هو الواقع، وخيار الوطن والوطنيين الذي أكده الرئيس الأسد أول أمس.
د. عبد اللطيف عمران